نعم أنا غاضبة


نعم أنا غاضبة لأننا نحن السوريين لسنا مجرد صور وأرقام، نحن بشر من لحم ودم نُقتل ونُعتقل ونُهجّر بالمئات مع بداية كل فجر جديد، نفتح نهارنا على مشاهد الضحايا والدمار ونغلقه على الكوابيس منذ سبع سنين.
الطائرات تحتل سمائنا وترمينا بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والسلاح الكيماوي، لا تفرق بين مدني أعزل ومقاتل يحمل السلاح، بين شيخ ورضيع، الطائرات تسحب أرواحنا منا ونحن نيام في أسرتنا، أو أمام الأفران ننتظر رغيف الخبز، تقتلنا ونحن في حضرة الله نصلي ونطلب الخلاص، وكم من لوحة رسمتها دماؤنا على مائدة العشاء الأخير.

من تخطئه هدايا الطائرات بحكم مصادفة غريبة، سوف تكون فرصته أوفر أن يلقى حتفه بالصواريخ والرصاص وبالمفخخات والسكاكين، أو أن يقضي من الجوع وتحت التعذيب. صناعة الموت أضحت الأكثر ازدهارًا ورواجًا من بين كل الصناعات في سوريا.
أنا غاضبة لمقتل شاب مثل هادي الجندي برصاص القنص في "جمعة لا للحوار"، غاضبة أن تقتل نيران النظام المخرجيّن تامر العوام وباسل شحادة والمراسلة الأمريكية ماري كولفين، وأن تقتل داعش المصوّر جيمس فولي. غاضبة لمقتل قرابة مليون سوري من الناشطين والمتظاهرين السلميين والمدنيين الأبرياء، بينهم من هو قريب لي أو صديق، أرواحهم لا تغادرني، وأنا أصغي إلى شهقتهم الأخيرة تنادي نريد وطنًا حرًا.  
غاضبة أنا لانتهاك حقنا في حرية التعبير والاحتجاج، غاضبة لكسر أصابع الرسام علي فرزات واقتلاع حنجرة القاشوش، لاعتقال المسرحي زكي كورديللو والسيناريست عدنان الزراعي والشاعر ناصر بندق والمحامي خليل معتوق... وغضبي لا يفارقني لاختفاء قرابة ربع مليون سوري في غياهب السجون، جميعهم ينظرون إلى عينيّ وأوراقي ويطلبون العدالة، أريد أن أعرف مصيرهم، أريدهم طلقاء بيننا يفكرون ويحلمون ويبدعون.
أنا غاضبة لاغتصاب السجينات، وغاضبة لمقتل حمزة الخطيب وغياث مطر ووسام سارة وأسامة الحبالي وباسل الصفدي، ومعهم الآلاف من الناشطين والإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان ممن وثقت إعدامهم عدسة قيصر في معتقلات الموت. غاضبة لأن الأمهات السوريات هن الوحيدات في العالم من يتمنيّن الوفاة لأبنائهن إذا اعتُقلوا خوفًا عليهم من جحيم التعذيب.
وأنا كلي غضب لاختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل من المناطق المحررة، لاغتيال ناجي الجرف وعروبة بركات مع ابنتها حلا في بلد اللجوء، غاضبة من الإتجار بالسوريين في مخيماتهم البائسة، من الحدود الموصدة في وجههم، ومن البحر الذي ابتلع أحلامهم بالنجاة، وألقى بجثة غيلان على الشاطئ، غاضبة من عمليات التفجير والدهس والطعن بالسكاكين التي تطال أرواح الغربيين في مدنهم الآمنة، كي يضعف تعاطفهم مع قضيتنا.
غاضبة من الدكتاتورية الحاكمة في بلدي، وأعوانها من الروس والإيرانين، غاضبة من حالش وداعش وكل من استباح دماءنا وفتح النار على ثورتنا السلمية. غاضبة لأني لم أعد أستطيع التحايل على غضبي لبعض الوقت بتأمل القمر الجميل وتذوق الفن أو الإبحار مع الروايات، بالكاد أنام ولا أشتهي الطعام، وأنا أصغي إلى صوت الضحايا، وأحدق في تفاصيل الجريمة المستمرة، والجناة الفالتون من العقاب، ويلح عليّ السؤال: لماذا لا يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان من بطش الطغاة؟
نعم أنا غاضبة، وليس لي سوى غضبي منذ أن أبصرت أبي وراء القضبان وأنا طفلة. غاضبة مثلي مثل كل السوريين الذين شبّوا وشابوا وهم محكومين بأجهزة القمع وقانون الطوارئ. غاضبة ولا أحب الغضب، أنا أعشق الحياة، وأشتهي الحرية والعدالة والسلام للجميع.

تهامة الجندي
شبكة جيرون الإعلامية 14 تشرين الأول 2017

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق

زيلينسكي: اسألوا أنفسكم لماذا لا يزال بوتين قادرًا على الاستمرار في الحرب؟