إدلب تحت النار


منذ أن بسط النظام السوري سيطرته على درعا في يوليو 2018، أعلن ان وجهته التالية ستكون إدلب، وبدأ بحشد قواته وشن الغارات الجوية العنيفة على قرى وبلدات المنطقة الرابعة والأخيرة الخاضعة لاتفاقية خفض التصعيد (محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية)، بالرغم من كل المناشدات التي حذرت من العواقب الوخيمة لفتح معركة في هذه المنطقة التي باتت تضم حوالي أربعة ملايين نسمة، نصفهم تقريبًا ممن هجروا قسرًا من المناطق التي استعادها النظام، بعد أن رفضوا الدخول بمفاوضات التسوية معه.

اتفاق الجانبين الروسي والتركي في السابع عشر من أيلول/ سبتمر 2018 على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح بعرض 20 كيلومتراً وتسيير دوريات مشتركة، أسهم إلى حد كبير في وقف الهجمات الجوية لقوات النظام السوري، إلا أنَّ الهجمات البرية استمرت على القرى والبلدات المحاذية لخط التَّماس، وعلى عمق قرابة 16 كم، واستهدفت على وجه الخصوص بلدات وقرى ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي كاللطامنة وكفر زيتا، واللحايا، ومورك في ريف حماة الشمالي، والتح والخوين وجرجناز وخان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، ما تسبَّب في تشريد سكان عشرين بالمئة من مساحة منطقة إدلب لخفض التصعيد.
في الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2019 اجتمع الرئيسان الروسي والتركي في العاصمة الروسية موسكو، لبحث الوضع في الشمال السوري وتشكيل اللجنة دستورية، وتفعيل اتفاق أضنة المبرم ببن الحكومتين السورية والتركية في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998 إثر التوتر بين البلدين على خلفية دعم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي نصَّ في الملحق الرابع منه على حق تركيا بملاحقة “الإرهابيين” حتى عمق خمس كيلومترات في الداخل السوري حماية لأمنها القومي من أي خطر محتمل.
تلا الاجتماع انعقاد القمة الثلاثية الرابعة الي جمعت رؤساء دول روسيا وتركيا وإيران في 14 شباط/فبراير 2019 في مدينة سوتشي الروسية، وشدَّد الرؤساء الثلاثة في البيان الختامي للقمة على ضرورة تكثيف الجهود لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في سورية، وضرورة تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين السوريين، والاستمرار في محاربة الإرهاب، مع تكثيف الجهود لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، وفي الثامن من آذار دخلت الدورية العسكرية التركية الأولى من معبر “كفر لوسن” باتجاه تلة العيس في حلب فمدينة سراقب ثم النقطة التركية في تل الطوقان في إدلب.
أثناء تلك المباحثات والاتفاقات لم تتوقف الهجمات على إدلب، وعقبَ انتهاء القمة الثلاثية الرابعة رصدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تغيرُّاً في سياسة القصف المتبعة من قبل قوات النظام السوري، حيث استهدف قرى وبلدات لم يسبق لها أن تعرَّضت للقصف المكثَّف منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّز التنفيذ، مثل: مدينة سراقب في إدلب، وبلدة حريتان ومدينة عندان في حلب، أو تعرَّضت للقصف مرات معدودة، مثل: مديني معرة النعمان وخان شيخون في إدلب، وبلدة قلعة المضيق في حماة، وامتدَّ القصف ليشمل مناطق على بعد يصل إلى قرابة 30 كم عن خط التماس، وتركَّز على مدن وبلدات مكتظة بالسكان سواء الأصلين أو النازحين إليها. وكان من أخطر التَّطورات عودة قوات النظام وحليفه الروسي إلى شن الغارات الجوية، رافقها استخدامًا موسّعًا ومتكررًا للذخائر العنقودية (11 هجومًا) وهجمة بأسلحة حارقة.
منذ توقيع اتفاق سوتشي وحتى الرابع عشر من آذار/ مارس 2019، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" (تقرير 22 آذار 2019): "ما لا يقل عن 4594 خرقًا للاتفاق، جلُّها على يد قوات النظام السوري في المنطقة المنزوعة السلاح، تسبَّبت في ما لا يقل عن 87 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، بينها 17 حادثة على دور عبادة، و 19 على مدارس، و 6 على منشآت طبية، و4 على أسواق. ما أدى إلى توقُّف العملية التعليمية بشكل شبه كامل في بعض المناطق، وعدم انتظامها في مناطق أخرى، فيما تحولت بعض المدارس بشكل كامل أو جزئي إلى مراكز للإيواء. كما أسهم القصف في تعطيل عمل الكوادر الإنسانية، خصوصًا إثر الضربات المزدوجة، وتعليق عمل بعض المشافي وخروج بعضها الآخر عن الخدمة بشكل كامل.
بعد انتهاء مباحثات أستانا12 في السادس والعشرين من أبريل الماضي، لم يهدأ القصف الجوي والبري لقوات النظام السوري وروسيا على قرى وبلدات إدلب وحماة وحلب، واستطاع النظام السوري استعادة سيطرته على بعض المناطق، مثل كفرنبودة وقلعة المضيق، وقد وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل 169 مدنياً، بينهم 39 طفلاً، و38 سيدة، واستهداف ما لا يقل عن 9 مساجد، و24 مدرسة و12 نقطة طبية، خلال الحملة الجارية، بينما نوه تقرير "فريق منسقو الاستجابة" إلى استهداف مخيمات النازحين، وتهجير حوالي 350 شخصًا، فيما تستمر المحرقة بحق المدنيين من دون ردات فعل تُذكر من جانب هيئات المجتمع الدولي أو جانب الضامن التركي، وفي ظل تعتيم إعلامي يثير الكثير من علامات الاستفهام.

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق