الطغاة يبكون سليماني والأحرار يوزعون الحلوى


قبل ثلاثة أيام ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بخبر اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في غارة جوية استهدفت موكبهما على طريق مطار بغداد الدولي بأمر من الرئيس ترامب. ردًا على اقتحام مجموعة من مؤيدي نظام الملالي و"الحشد الشعبي" للسفارة الأمريكية في العراق، وإضرام النار فيها، وتحسبًا من تنفيذ المزيد من العمليات ضد الأمريكيين.
ضحكتُ حين سمعت الخبر، وقلت لنفسي يا لها من جمعة مباركة، وبداية عام تدعو للتفاؤل، وزاد سروري وأنا أقرأ الفرح الغامر في تعليقات أصدقائي الفسابكة، وأشاهد الطغاة ينتحبون على شاشات التلفزة، والأحرار يوزعون الحلوى على المارة في الطرقات، وحين رفعت نظري إلى السماء رأيت وجه الساروت يبتسم.

لم ألقِ بالًا لتلك المنشورات التي شككت بأحقية فرحنا، نحن لم نعتدِ على أحد، هم من وضعونا في مرمى نيرانهم واعتدوا علينا، ومن الطبيعي والإنساني أن نفرح بنهاية من أذاقنا كل أشكال الموت، وأن نشعر برمزية النصر المؤقت، وبلوغ القليل من عدالة السماء.
اللواء قاسم سليماني، كان قائد "فيلق القدس" لاثني وعشرين عامًا، الفيلق الذي يضم نخبة ضباط الحرس الإيراني، ويرتبط مباشرة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، ويتخصص بالعمليات العسكرية والاستخباراتية في منطقة الشرق الأوسط، من تعقب الناشطين والمعارضين، إلى التفجيرات والاغتيالات، وحتى تسليح الميليشيات التابعة لنظام الملالي، لاسيما في سورية ولبنان والعراق واليمن وفلسطين.
و"فيلق القدس" بقيادة سليماني استمات في الدفاع عن نظام الأسد منذ انطلاق الثورة السورية، واستخدم نفوذه في العراق لفك الحصار عنه، وتزويده بالعتاد والمقاتلين، وشارك في المعارك لاستعادة المناطق المحررة، وارتكب الكثير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، راح ضحيتها مئات الألوف من السوريين، وفي اليمن حرك "جماعة الحوثي" للانقلاب على الحكومة الشرعية، وما إن بدأت الاحتجاجات في العراق، حتى قام بتشكيل خلية أزمة لقمع المظاهرات، بينما تكفل أتباع "حزب الله" بالاعتداء على المتظاهرين اللبنانين.    
أما مستشار قاسم سليماني الشخصي، ورجل إيران في العراق، ونائب رئيس "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، فهو مجرم مخضرم، ومطلوب للسلطات الكويتية والأمريكية والشرطة الدولية بتهمة تفجير السفارتين الفرنسية والأمريكية في الكويت، ومحاولة تفجير الخطوط الجوية الكويتية، ومحاولة اغتيال الأمير جابر الصباح في ثمانينات القرن العشرين، أسهم في تأسيس ميليشيات حزب الله، وكان يدير شبكات لتهريب الأسلحة.
مقتل سليماني والمهندس ليس حدثًا عاديًا ولا استعراضيًا، ولن يكون عابرًا، بل يكشف عن تغير في سياسة إدارة ترامب إزاء من وضعتهم على قوائم الإرهاب والعقوبات، لاسيما أن الحدث سبقه في نهاية العام الماضي، اغتيال زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، وصدور قانون قيصر لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا.
بعض المحللين يحاولون التقليل من شأن العملية، وبعضهم يتخوف من تبعاتها المستقبلية على استقرار المنطقة، فما إن انتشر خبر اغتيال الرجلين حتى عُين قائد جديد لفيلق القدس، وارتفع صوت خامنئي ونصر الله بالتهديد والوعيد، ودعا مقتدى الصدر جيش "الإمام المهدي" أن يستعد للجهاد. 
أقرأ التحليلات والتعليقات، ولا أميل إلى الاستخفاف أو التهويل. اكتفي بفرحي العابر وابتسامة الساروت، كانت الضربة موجعة لنظام "ولاية الفقيه"، لكنها لن تغير من سلوكه الاستفزازي، أو تجعله يلتفت إلى حجم ضحاياه، فبحكم طبيعته العقائدية التوسعية، المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، كان منذ قيامه ولا يزال، بؤرة توتر ومركزًا لتصدير الإرهاب، يبيح لنفسه قمع الإيرانيين والاعتداء على دول الجوار وقتل المدنيين، تارة عبر أجهزته الأمنية وأذرعه الضاربة في الشرق، وأخرى من خلال شبكاته السرية في الغرب، وسيبقى كذلك إلى أن يفنى وتقوم على أنقاضه دولة المواطنة واحترام الشرعية الدولية، وهو ما يبدو أمرًا صعب المنال في الوقت الراهن.

تهامة الجندي

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق