الصحافة عام 2021.. معتقلون وقتلى وجائزة نوبل

قبل أن ينتهي عامنا هذا، وصل عدد الصحفيين المعتقلين في العالم إلى 293 صحفيًا، وقُتل ما لا يقل عن 24 صحفيًا، كما توفي 18 صحفيًا في ظروف غامضة، بحسب التقرير السنوي الذي أصدرته "لجنة حماية الصحفيين" (CPJ) يوم التاسع من ديسمبر 2021. وجاء في التقرير أن الصين لا تزال تتصدُّر قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين للسنة الثالثة على التوالي، إذ يقبع في سجونها 50 صحفيًا، فيما تستعد لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيجين خلال شباط/ فبراير 2022.

ميانمار تأتي في المرتبة الثانية (26)، إثر موجة القمع التي طالت عشرات الصحفيين بعد الانقلاب العسكري في 1 شباط/ فبراير، ثم مصر (25)، ثم فيتنام (23)، ثم بيلاروس (19)، ثم تركيا (18)، ثم السعوية (14)، وروسيا، وإيران. وفي إثيوبيا أدت الحرب الأهلية إلى وضع قيود جديدة على الإعلام، مما جعل البلد يحتل القائمة الثانية من حيث عدد الصحفيين المحتجزين (9) في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك بعد أريتريا.

يعتبر التقرير أن اعتقال الصحفيين هذا العام بلغ مستوى قياسيًا، وأن الإحصاءات المذكورة لا تشمل الصحفيين العديدين الذين احتُجزوا وأُفرج عنهم على امتداد العام، ومن بين الصحفيين السجناء ثمة أربعون صحفية، أي أقل من 14% من العدد الإجمالي. كذلك يسجل عدة ملاحظات حول تراجع حرية التعبير في العالم.

يلفت التقرير الانتباه إلى أن احتجاز الصحفيين الحثيث في الصين ليس أمرًا جديدًا، إلا أنها المرة الأولى التي يرد فيها حالات احتجاز صحفيين في هونغ كونغ، نجمت عن تطبيق قانون الأمن الوطني المتشدد الذي صدر عام 2020 إثر الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. إذ تسجن السلطات ثمانية إعلاميين، يواجه بعضهم عقوبة السجن مدى الحياة، ومن بين المعتقلين جيمي لاي، مؤسس صحيفة "أبل ديلي" وشركة "نيكست ديجيتال" الإعلامية، والحائز على جائزة غوين آيفل لحرية الصحافة عام 2021، ما يشكل ضربة شديدة للصحافة المستقلة في هونغ كونغ.

وفي البر الرئيسي للصين، يواجه الصحفيون سلسلة من الاتهامات الغامضة والغريبة. فقد اعتُقلت صحفية الفيديو المستقلة جانغ جان في أيار/ مايو 2020 بسبب تغطيتها الناقدة لاستجابة الصين لجائحة كوفيد-19، وهي تمضي حكمًا بالسجن لمدة أربع سنوات بعد إدانتها بتهمة "التسبب بمشاجرات وإثارة المشاكل". وثمة صحفيون آخرون متهمون بأنهم "ذوو وجهين"، وهي عبارة لا أساس قانوني لها، إلا أنها تشير إلى معارضة خفية للحزب الشيوعي، وغالبًا ما تُستخدم ضد الصحفيين الإيغوريين في إقليم شينجيانغ.

لاحظت لجنة حماية الصحفيين أن حملة القمع التي شنتها السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 أدت من الناحية الفعلية إلى القضاء على وسائل الإعلام من التيار العام في البلد، ودفعت العديد من الصحفيين إلى ترك المهنة. كما لاحظت أن التأثير الترهيبي لجريمة قتل جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله عام 2018، إلى جانب عدة حالات احتجاز جديدة في عام 2019، كانت أكثر فعالية في إسكات العديد من الصحفيين في السعودية مقارنة مع أي موجة جديدة من الاعتقالات.

ذكر التقرير أن السلطات المصرية تعمد إلى الالتفاف على التشريعات التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بسنتين، وتفرض شروطًا للإفراج عن الأشخاص الذين يكملون مدة محكوميتهم. ومن الأمثلة على هذا الأسلوب، الوضع الذي يعاني منه المصور الصحفي المصري محمود أبو زيد، والمعروف باسم شوكان، الحائز على الجائزة العالمية لحرية الصحافة التي تقدمها لجنة حماية الصحفيين، فمنذ الإفراج عنه من سجن طرة في 4 آذار/ مارس 2019، يُحتم عليه التوجه إلى مركز الشرطة في كل ليلة، وقد أمرته الشرطة في لغاية الآن بإمضاء الليل في زنزانة السجن، كما مُنع شوكان من إدارة ممتلكاته المالية والعقارية لمدة خمس سنوات.

في أوروبا، قامت سلطات بيلاروس بتحويل مسار رحلة طائرة تجارية لاعتقال الصحفي رامان براتسايفيتش، وهي تحتجز 19 صحفيًا، وهو أعلى رقم يسجله هذا البلد منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين بالاحتفاظ ببيانات حول الصحفيين السجناء في عام 1992.

في أمريكا اللاتينية، التي ظلت تاريخيًا تشهد أعدادًا أقل من الصحفيين السجناء، يُحتجز في كوبا (3)، وفي نيكاراغوا (2)، والبرازيل (1)، كما تزايدت التهديدات ضد حرية الصحافة في المنطقة برمتها.

لم يكن يوجد أي صحفي سجين في أمريكا الشمالية في وقت إعداد الإحصاء. مع ذلك سجلت منظمة "متتبّع حرية الصحافة في الولايات المتحدة"، وهي منظمة شريكة للجنة حماية الصحفيين، 56 حالة اعتقال واحتجاز لصحفيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة عام 2021، حدث أغلبها أثناء تغطية التظاهرات.

وعلى صعيد قتل الصحفيين سجلت الهند أعلى عدد، أربعة تأكد أنهم قُتلوا انتقامًا منهم على عملهم. وقُتل صحفي آخر بينما كان يغطي تظاهرات. وظلت المكسيك البلد الأشد فتكًا بالصحفيين في النصف الغربي من الكرة الأرضية، إذ شهدت مقتل ثلاثة صحفيين بسبب عملهم، وثمة ست جرائم قتل أخرى لا تزال قيد التحقيق لتحديد دوافعها. فيما تستمر حلقة الإفلات من العقاب، مما يمثل رسالة مخيفة بأن مرتكبي هذه الجرائم لن يخضعوا للمساءلة.

لم يتطرق التقرير للانتهاكات التي تحدث بحق الصحفيين في روسيا وإيران، ولم يذكر حتى ألكسي نافلني، كذلك لم يأتِ التقرير على ذكر سوريا، لكن الجداول الإحصائية شملت أربعة صحفيين سوريين لا يزالون قيد الاعتقال منذ عدة أعوام في سجون النظام السوري: طل الملوحي اعتُقلت عام (2009)، وفارس معمو (2012)، وجهاد أسعد محمد (2013)، ورسام الكاريكاتير أكرم رسلان (2012)، الذي شاع خبر وفاته بالتعذيب، لكن "لجنة حماية الصحفيين" تشير إلى أنها تلقت إشعارًا يفيد أن رسلان لا يزال على قيد الحياة، ولم تتأكد من صحته بعد.

ولعل خسائر الصحافة الحرة كانت كبيرة هذا العام، لكنها حققت انتصارًا معنويًا هامًا بفوز الصحافية الفيليبينية ماريا ريسا، والصحافي الروسي ديمتري موراتوف بجائزة نوبل للسلام تكريمًا للدفاع عن حرية التعبير.

 

متابعة تهامة الجندي

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق