ملف المعتقلين-الصندوق الأسود

لمى نواف

 يوغل النظام السوري في خرق الحريات العامة وتهديد أمن المواطنين، للتخلص من خصومه المعارضين والمشتبه بولائهم، ولا يتوانى عن اتباع سياسة الاغتيالات والموت بالتعذيب وقصف المدنيين لإجبار فصائل المعارضة على تسليم سلاحها والمناطق الخاضعة لها، غير آبه بالمواثيق الدولية ولا بالاتفاقات والمصالحات والتسويات التي أبرمها، وأعلن استعداده للالتزام بها في المناطق الخارجة عن سيطرته أو تلك التي استعادها، وإلى ذلك كشفت أحداث السويداء الأخيرة التي راح ضحيتها حوالي ثلاثمئة قتيل وعشرات المخطوفين على يد "داعش"، كشفت تواطئه الضمني مع التنظيم الإرهابي الذي يدعي محاريته.

وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، بلغ عدد الذين اعتقلتهم أجهزة النظام في تموز الماضي 419 شخصًا، بينهم 51 سيدة، و36 طفلًا، واستهدفت الاعتقالات الطلاب والموظفين لتجنديهم، كما استهدفت العاملين في مؤسسات الثورة وأقارب مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة في المناطق التي خضعت للتسويات، وتعهدت روسيا بعدم المساس بأمنهم.
ولعل أبرز خرق للضمانات الروسية كان اعتقال معتز حتيتاني من أحد مراكز الإيواء التي خرج إليها أهالي الغوطة الشرقية بعد توقيع اتفاقيات التسوية، ثم وفاته بالتعذيب، وحتيتاني من مواليد مدينة "المليحة" بريف دمشق عام 1962، كان طبيب قلبية برتبة عميد قبل أن ينشق عن قوات النظام عام 2013، ويستقر في الغوطة الشرقية، ويشارك بتأسيس عدد من الهيئات المدنية.
مقتل حتيتاني ليس سوى حادثة تُضاف إلى الملف الأسود الذي يشمل حوالي خمسة عشر ألف معتقلًا راح ضحية التعذيب في السجون السورية، معظمهم من الناشطين السلميين والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية وفقًا لبيانات منظمة العفو الدولية، ومنذ أيار 2018 يجري تسريب أسماء المئات منهم إلى دوائر السجل المدني، وتقييد وفاتهم من دون تسليم جثامينهم إلى ذويهم أو إيضاح أسباب الوفاة.
وقوائم الموت المسربة تضم السوريين والفلسطينيين، إناثًا وذكورًا ومن كافة الأعمار، ولا تقتصر على الناشطين السلميين والمعارضين السياسيين والمقاتلين، بل تشمل كذلك خيرة النخب العلمية والثقافية والفنية إضافة إلى الرياضيين والطلبة الجامعيين، لا لسبب سوى أنهم أبدوا تأييدهم للثورة السورية.
في هذا السياق المريع يأتي اسم الكاتب عبد الهادي قاشيط، وهو من مواليد حلب عام 1967، اشتهر بكتابة القصة القصيرة ومقالات النقد الأدبي والمسرحي، شارك في أمسيات ومهرجانات ونال عدة جوائز، منها الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب العرب عام 1998 عن قصته "رسالة إلى السيد المدير العام"، كما صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "تداعيات في حضرة الضمير"، قبل أن تنهي معتقلات نظام الأسد حياته تحت التعذيب في تشرين الأول عام 2013، بحسب "المركز السوري للحريات الصحفية".
في السادس عشر من تموز 2018 كتبت لميس الخطيب، زوجة المصور الفوتوغرافي الفلسطيني السوري نيراز سعيد، على صفحتها الشخصية في الفيسبوك: "... قتلو حبييي وزوجي... نيراز استشهد بمعتقلات النظام السوري..". ونيراز من مواليد 1991، وثق بعدسته جرائم القصف والحصار الذي قضى على عشرات الفلسطينيين جوعًا في مخيم اليرموك، ونال العديد من الجوائز، أبرزها جائزة الأونروا لأفضل صورة صحفية عام 2014. غادر المخيم في الأول من نيسان 2015 بعد دخول "داعش" وتلقيه عدة تهديدات، واعتقلته قوات الأمن السورية في تشرين الأول من مكان إقامته بدمشق في نفس العام.
في الثلاثين من الشهر الماضي تأكد أيضًا مقتل الناشط الإعلامي علاء الدين أيبش الملقب بـ"محمد الدمشقي" داخل سجون النظام يوم الرابع من آذار/ 2015، ومحمد من مواليد الهامة/ ريف دمشق عام 1987، أشرف على إدارة صفحة "تنسيقية الثورة السورية في منطقة الهامة" على الفيسبوك، كما عمل مع شبكة “نبض العاصمة دمشق”، واعتُقل من مكان عمله في دمشق يوم الثالث من شباط 2013.
ورد أيضًا في قوائم الموت الأخيرة اسم سامح سرور، لاعب كرة السلة في المنتخب السوري، الذي اعتًقل في أيار 2012 من مطار دمشق لدى عودته مع فريقه من حلب بعد المشاركة في مباريات كأس النخبة، وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قد وثقت مقتل 253 رياضيًا في معتقلات النظام وبرصاص ميليشياته، بينهم: جهاد قصاب، لؤي العمر، زكريا يوسف، وإياد قويدر لاعب نادي الوحدة الذي استُشهد في الفرع 215، وتم التعرف عليه ضمن مجموعة الصور التي سربها "قيصر".
يحيى شربجي

داريا وحدها فقدت ألف ناشط سلمي، بينهم الأخوين يحيى ومحمد شربجي، حيث قام فرع المخابرات الجوية باعتقال محمد وأجبره على الاتصال بأخيه واستدراجه إلى بلدة صحنايا في ريف دمشق، وحين ذهب يحيى إلى الموعد المحدد برفقة غياث مطر، تم اعتقال الناشطيّن في السادس من أيلول 2011، وفيما أُعيد غياث إلى ذويه جثة هامدة بعد أربعة أيام من اعتقاله، قُتل محمد ويحيى في تموز 2013، وكان ثلاثتهم من أبرز ناشطي الحراك السلمي، ومن أصحاب مبادرة توزيع الماء والورود على رجال الأمن.
لمى نواف الباشا الطالبة في كلية الاقتصاد، اعتُقلت يوم 16 تشرين الثاني 2014 من مسقط رأسها في التل، وهي لا تزال في الثانية والعشرين من عمرها، وقُيدت وفاتها في دوائر النفوس يوم 31 تموز 2018. كذلك الطالب الجامعي علي عمر شمة من مواليد السلمية 1994، اعتُقل في 30 تموز 2011، وفي العاشر من أيلول عرض التلفزيون السوري الرسمي تسجيلًا مصورًا له يعترف فيه بالقيام بأعمال ارهابية، وبعدها بيوم اعتُقل والده عمر علي شمة، وهو إمام وخطيب جامع التوحيد في السلمية، وفي العاشر من أيار 2018 صُدمت عائلة المعتقليّن بوجود اسميّهما متوفيّن في قيود السجل المدني.
آلاف السوريين قُتلوا تعذيبًا، والآلاف لا يزالون مختفين في سجون النظام السوري من دون الكشف عن مصيرهم، منهم المسرحي زكي كورديللو، والسيناريست عدنان الزراعي، والمحامي خليل معتوق، وفي الطرف الآخر من المشهد اللاإنساني هناك المئات من المحتجزين في سجون "داعش" و"هيئة تحرير الشام" و"جيش الإسلام" و"قوات سورية الديمقراطية" التابعة لـ (حزب الاتحاد الديمقراطي/ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".
وتستمر الاعتقالات ومعها كل أشكال قتل المدنيين وترويعهم على مدار الساعة ومن دون رادع أو حساب، حتى بدت سوريا أشبه بسجن كبير، بات يحتل مركز الدولة الأقل أمنا في العالم على مؤشر السلام العالمي لعام 2018، بينما يحاول الدبلوماسيون الروس إقناع نظرائهم العرب والغربيين بإعادة اللاجئين السوريين إلى حضن الوطن.

تهامة الجندي
شبكة جيرون الإعلامية 16 آب 2018

المصادر:
-الشبكة السورية لحقوق الإنسان": بيان 28 تموز 2018، تقرير 4 آب 2018، تقرير 5 آب 2018.
-"منظمة العفو الدولية": حملة "ساعدوا في العثور على المختفين في سوريا".
-"المركز السوري للحريات الصحفية" في رابطة الصحفيين السوريين، تقرير تموز 2018.

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

غرافيتي الثورة: "إذا الشعب جاع بياكل حكّامه"

علي الشهابي.. شريك الثورة والجراح