أي دول أوروبية تعيد بناء علاقات دبلوماسية مع سوريا التي يحكمها الأسد؟

بقلم:  يورونيوز

ندد الاتحاد الأوروبي وقوى غربية أخرى سريعاً بنتيجة الانتخابات الرئاسية السورية التي فاز بها الرئيس بشار الأسد في أواخر أيار/مايو الماضي، حاصداً 95.1 بالمئة من أصوات الناخبين. ووصفت بروكسل الانتخابات بـ"المزورة"، وقال كبير دبلوماسييها جوزيب بوريل في بيان إنها "لم تستوفِ أياً من معايير التصويت الديمقراطي الحقيقي"، مضيفاً أنها لا يمكن أن تؤدي إلى أي "إجراء نحو تطبيع دولي للعلاقات مع النظام السوري".

صادق الاتحاد على رزمة من العقوبات ضدّ النظام السوري منذ بدء الحرب في 2011، التي أدت إلى نزوح وتهجير 11 مليون سوريّ ومقتل أكثر من نصف مليون بحسب أرقام أممية. غير أن الموقف الرسمي لبروكسل الحازم تجاه السلطة السورية يتعارض مع بعض الخطوات التي أقدمت عليها دول أعضاء أوروبية لإعادة فتح سفاراتها أو قنصلياتها في سوريا.

وكانت جمهورية التشيك الوحيدة التي أبقت أبواب سفارتها مفتوحة في دمشق منذ بدء النزاع، بينما صعّدت الدول الأوروبية الأخرى نبرتها تجاه سوريا مغلقة بعثاتها الدبلوماسية. ولكن الأسد، بمساعدة الحليفين روسيا وإيران، نجح في استعادة السيطرة على أجزاء من البلاد، وتوازياً مع ذلك، بدا أن بعض الدول الأوروبية مستعدة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

4 بعثات دبلوماسية في سوريا

علمت "يورونيوز" أن هناك 4 دول أوروبية على الأقل تملك الآن بعثات دبلوماسية في سوريا، وهي تعمل "ضمن حدود معينة" وليس بشكل كامل. ولكن لماذا يعود الدبلوماسيون الأوروبيون إلى سوريا؟ وماذا تعني هذه العودة بالنسبة لسوريا؟ وكيف ستؤثر على الموقف الأوروبي الرسمي تجاه النظام السوري؟ سنحاول تقديم الإجابة أدناه.

ماذا عن البعثات الدبلوماسية الأوروبية في سوريا؟

أكثرية البلدان الأوروبية لا تزال لا تملك تمثيلاً دبلوماسياً في سوريا، ومقرات سفاراتها "فارغة"، حيث يعمل دبلوماسيوها من لبنان المجاور، ولكنهم يزورون سوريا بين الحين الآخر بحسب مصادر "يورونيوز".

المصدر يضيف أن عدداً متنامياً من الدول الأوروبية رفعت نسبة نشاطها الدبلوماسي في سوريا خلال الأشهر الأخيرة.

بلغاريا - سفير

إلى جانب جمهورية التشيك، تمثل بعثة دبلوماسية دائمة بلغاريا في سوريا، على رأسها سفير صوفيا لدى دمشق، تيغران غيفورغيان، بحسب ما كُتب في موقع السفارة الرسمي. وتُذكر بلغاريا إلى جانب دول أخرى في موقع وزارة الخارجية السورية، كدولة لها بعثة ونشاط دبلوماسي في دمشق. ورداً على اتصال أجرته "يورونيوز"، أكد الطاقم الإداري التابع للسفارة في سوريا إن المقرّ مفتوح ولكنه لا يعمل "مثل العادة".

قبرص - قائم بالأعمال

قال القائم بالأعمال القبرصي في دمشق، سيفاغ أفديسيان، ليورونيوز، إن سفارة نيقوسيا في دمشق بصدد "استئناف عملياتها بشكل كامل" وستعيد فتح أبوابها في الأسابيع المقبلة. وأضاف أفديسيان أن قبرص احتفظت بتمثيلية دائمة في مقر أحد الفنادق بدل مقرها الخاص، وذلك منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.

وشدد أفديسيان على أن قبرص لم تعيّن سفيراً لها في سوريا، بل قائم بالأعمال، "دون تقديم أوراق اعتماد للأسد، بما يتماشى مع الخط السياسي الذي اختاره الاتحاد الأوروبي"، ثم أضاف "التكتل الأوروبي لا يعترف بالأسد كرئيس شرعي للدولة السورية ولذا فإن سفراء الاتحاد الأوروبي لن يقدموا أوراق اعتمادهم إليه". غير أفديسيان أكد أن البعثة القبرصية تركت دمشق لأسباب أمنية، لا لأنها أرادت تعليق العلاقات الدبلوماسية مضيفاً أن دبلوماسيي نيقوسيا استمروا بتغطية الشؤون السورية عبر العمل من لبنان خلال الحرب.

وأضاف أفديسيان "إذا نظرت إلى أي خريطة فستجد أن سوريا هي ثاني أقرب دولة إلى قبرص، جغرافياً" مذكراً بأن "نيقوسيا لم تحافظ على علاقاتها مع تركيا التي لا تعترف بقبرص". وختم أفديسيان بالقول "من المهم أن تكون موجوداً في الدول المجاورة، كان علينا أن نعود. لم نكن الأوائل ولن نكون الأخيرين الذين سيعودون (إلى دمشق)".

المجر - قائم بالأعمال

تشير مصادر "يورونيوز" إلى أنه، منذ السنة الماضية، تم تعيين قائم بالأعمال وقنصل في السفارة المجرية في دمشق، والسفارة مفتوحة "ولكن نشاطها محدود". وردّاً على استفسار من جانبنا طرحناه على وزارة الخارجية، قال متحدث باسم الأخيرة إن "المجر لها تواجد دبلوماسي على مستوى القائم بالأعمال في سوريا"، لكن الخارجية قالت إن القائم بالأعمال موجود لدواع "إنسانية" أو "تنموية".

النمسا - اعتراض

بالإضافة إلى البلدان الأربعة الواردة أعلاه، أُدرجت النمسا أيضاً ضمن الدول التي لها بعثة دبلوماسية في دمشق في موقع وزارة الخارجية السورية. لكن وزارة الخارجية النمساوية قالت ليورونيوز إن جميع أنشطة السفارة لا تزال تجري من بيروت. وفي ردّ أرسلته الخارجية لـ"يورونيوز" "لم تُغلق سفارة النمسا في دمشق أبداً، ولكن معظم الموظفين تم نقلهم إلى بيروت لأسباب أمنية في عام 2012. ومن بيروت تتم جميع أنشطة السفارة، بما في ذلك النشاطات القنصلية، بينما نقوم بصيانة المبنى الذي تملكه النمسا بمساعدة موظفين محليين".

اليونان - مزاعم

قالت صحيفة يونانية في بدايات حزيران/يونيو بناء على معلومات نشرها صحافي سوري إن أثينا تتحضر لإعادة فتح قنصليتها في دمشق "خلال أسابيع"، وذلك بعدما شوهد العلم اليوناني مجدداً فوق مقر السفارة. وقالت صحيفة الوطن القطرية إن عدّة بلدان أوروبية من ضمنها اليونان تخطط لإعادة العلاقات الدبوماسية مع سوريا. حتى أن صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية أشارت نقلاً عن دبلوماسي سوري إلى أن اليونان وقبرص أعادتا فتح سفارتيْهما في دمشق منذ أكثر من 6 أشهر.

وفي ردّ على سؤال طرحته "يورونيوز"، قال ليد ستانو، المتحدث باسم الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، إنه "لا يمكن له أن يعلّق على تكهنات بخصوص فتح دولة أوروبية عضوة سفارة لها في سوريا أو أي مكان آخر من العالم" مضيفاً أن ذلك يعتبر "حقاً سيادياً تتمتع به كل دولة أوروبية، وخيار التوقيت الزمني بإنشاء بعثة دبلوماسية خارجية يعود فقط لتلك الدول".

ما هي السياسيات التي اعتمدتها بروكسل بشأن سوريا؟

أصرت بروكسل بشكل دائم على أن أي شكل من أشكال التطبيع مع نظام الأسد غير وارد. وكرّر البرلمان الأوروبي هذا الموقف الرسمي عبر تبنيه قراراً بهذا الخصوص في آذار/مارس. وجاء في نص القرار أنه "طالما لم يكن هناك تقدم جوهري على الأرض، بالتوازي مع عملية سياسية شاملة وواضحة ومستمرة وذات مصداقية، فإن أعضاء البرلمان الأوروبي يعارضون أي تطبيع للعلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري".

لكن على الرغم من موقفه الحازم ضد النظام السوري، لا يزال الاتحاد الأوروبي يحتفظ بعلاقات دبلوماسية "محدودة جداً" مع سوريا. وتواصل بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا العمل من بيروت بحسب ما يشير إليه موقعها، بينما تقوم ببعثات منتظمة إلى دمشق. وقال مصدر دبلوماسي لـ"يورونيوز" إنه لا يزال لديها مقر في دمشق مع موظفين محليين فقط.

وفي حديث له مع يورونيوز، يقول جوليان بارنس-ديسي، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الحفاظ على تلك النسبة "الضئيلة" من التمثيل الدبلوماسي الأوروبي في سوريا لا يتعارض مع الموقف الرسمي الذي اتخذته بروكسل من النظام السوري واحتمال التطبيع معه.

وقال الخبير ليورونيوز إن "مستوى الاتصالات منخفض جداً ولا تمكن مساواة ذلك باعتراف دبلوماسي أوروبي بالحكومة السورية". وأشار بارنِس-ديسي إلى أن هذه الاتصالات ذات المستوى الأدنى "خدمت غرضاً ثميناً"، بما في ذلك فهم الوضع على الأرض وتفعيل الدعم الإنساني الذي يقوده التكتل في سوريا. ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح دولي للدولة التي مزقتها الحرب، حيث فاقت المساعدات التي قدمها للمتضررين الـ24 مليار يورو.

قنوات الاتصال بين بروكسل ودمشق

يقول عضو البرلمان الأوروبي باري أندروز، الذي عمل على نطاق واسع في مجال العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، إنه من الضروري بمكان أن يحتفظ الاتحاد الأوروبي بقنوات اتصال مع دمشق. ويضيف أندروز "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك خط اتصال. لقد دعوت باستمرار إلى تعيين مبعوث خاص من الاتحاد الأوروبي للصراع السوري من قبل الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية. نحن بحاجة إلى فرصة لإجراء حوار من نوع ما، وإلى قنوات الاتصال. وأعتقد أن مبعوثاً خاصاً سيوضح مدى جدية تعاملنا مع هذه القضية".

مستقبل العلاقات الأوروبية-السورية

تأتي التقارير التي تتحدث عن استعداد بعض الدول أوروبية لإعادة فتح سفاراتها في دمشق وسط مخاوف من "تطبيع" للعلاقات مع نظام الأسد على الساحة الدولية. ففي الشهر الماضي، أثار قرار منح الحكومة السورية مقعداً في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية انتقادات واحتجاجات في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

ومع ذلك، أخبرت مصادر متعددة "يورونيوز" أن الاتحاد الأوروبي لم يقترب من تطبيع علاقاته مع نظام الأسد على الرغم من إعادة فتح البعثات الدبلوماسية الصغيرة. وبهذا الخصوص، يستبعد النائب أندروز أن يشهد الموقف الرسمي الأوروبي من النظام السوري تغييراً قريباً، وهو يقول "لا أعتقد أن الموقف قد تغير على الإطلاق على مستوى الاتحاد الأوروبي".

ولكن أندروز، في محاولة لفهم بعض أوجه التقارب الأوروبي-السوري، يذّكر بحساسية المسألة القبرصية واليونانية، من الباب التركي طبعاً. فقبرص لا تمتلك علاقات مع تركيا، ولكن حساباتها مبنية بشكل أساسي على جيرتها التركية. ويضيف "لن أرفض هذه التقارير بشكل قاطع، لكنني سأضعها في سياق قضايا أخرى، لا تتعلق بسوريا بشكل مباشر ولكنها مرتبطة بدجة أكبر بمخاوف بعض الدول الأعضاء من السياسة الخارجية لتركيا.

أما الخبير بارنِس-ديسي فيذكّر أن أياً من الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي" لم يتحرك في اتجاه تطبيع العلاقات وأن الكتلة جدّدت عقوباتها على سوريا الشهر الماضي.

هل يمكن أن ترفض بروكسل تطبيع دولة عضوة؟

يرى أندروز أن وجود دول أعضاء تنظر في توسيع العلاقات مع سوريا سيكون بمثابة أمر غير مفهوم تماماً للأشخاص الذين يمثلهم. وهو يقول إن البرلمان تبنى قراراً بشأن الإفلات من العقاب، وجمعت الأدلة مع احتمال قيام محاكمات مستقبلية من أجل محاسبة مسؤولين من النظام السوري على جرائم الحرب وجه إليهم الاتهام بارتكابها.

ولكن أندروز يضيف أن التكتل ليس لديه نفوذ كبير ضد الدول الأعضاء الراغبة في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وهو يذكّر بأن "سياسة الأمن الخارجي المشتركة مرتبطة بممارسة حق النقض، لذا فإنه سيكون من الصعب إدانة أي دولة راغبة في إعادة العلاقات مع دمشق.

 

ساهم كل من الصحافيين العاملين في "يورونيوز" أورلاندو كروكوفت وندين عبد الحميد في تحرير هذا التقرير

المصدر: يورونيوز 18/06/2021

تعليقات

الأكثر قراءة

سلوى زكزك.. يوم لبست وجه خالتي الغريبة

الثقافة والاستبداد لـ غسان الجباعي.. الثقافة تبني معنى الحرية وإرادة التغيير

زيلينسكي: اسألوا أنفسكم لماذا لا يزال بوتين قادرًا على الاستمرار في الحرب؟