عن مظاهرة سوق النساء في بلغاريا

بينما كان المسؤولون الأوروبيون خلال أيلول/سبتمبر الماضي، يحاولون جاهدين البحث في تداعيات أزمة اللجوء، وإيجاد مخرج مناسب لها، شهدت بلغاريا عدة أحداث لافتة بهذا الخصوص، من موقعها كعضو في الاتحاد الأوروبي، وبوصفها قناة أساسية لتدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الغربية، عبر حدودها مع تركيا، البالغ طولها 260 كلم.

ولم تقتصر الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام بكثافة على الحراك السياسي والدبلوماسي، الذي تمخَّض عن قرار الحكومة البلغارية بقبول 500 لاجئ، من أصل حصتها البالغة 788 لاجئًا، بحسب ما صرحت به وزيرة الداخلية روميانا باتشفاروفا. بل ثمة مستجدات أخرى، عبَّرتْ عن موقف الشارع البلغاري من مسألة اللجوء.

شارك البلغاريون في اليوم الأوروبي للتضامن والترحيب باللاجئين، لكن عدد المشاركين، لم يتجاوز الخمسين شخصًا، اجتمعوا مساء الثاني عشر من أيلول 2015، عند مدخل ما يعرف بـ"سوق النساء" وسط العاصمة صوفيا، ثم ساروا نحو مبنى مفوضية الاتحاد الأوروبي، وهناك رفعوا مطالبهم، لإيقاف الموت المجاني الذي يحصد أرواح المهاجرين غير الشرعيين على حدود أوروبا البرية والبحرية، وتأمين معابر آمنة لدخولهم.

من المؤسف أن المظاهرة المرحِّبة باللاجئين، أُحيطتْ بجمهرة كبيرة من الأشخاص غير المرحِّبين، ومن المؤسف أكثر أن وسائل الإعلام البلغارية، تناقلت في اليوم التالي، خبر الاعتداء طعنًا بالسكين على ثلاثة من اللاجئين السوريين، لا تزيد أعمارهم على الخامسة والعشرين. أحدهم تُوفي من فوره، بينما تُوفي الآخر بعد فترة وجيزة، فيما نجى الثالث بأعجوبة من الموت المحقق.

وقع الحادث الأليم في نفس المكان الذي انطلقتْ منه مظاهرة الترحيب، وقيل أنه جرى بسبب شجار، حدث بين الضحايا والمهرِّب الذي أدخلهم إلى بلغاريا، ولم يسددوا له المبلغ المتفق عليه لقاء تهريبهم. وعلى إثر ذلك قامت الشرطة البلغارية بجولات دهم وتفتيش، وألقتْ القبض على ثلاثين لاجئًا من السوريين، الذين دخلوا متسلّلين إلى البلد، ويقيمون بشكل غير قانوني.

بعدها بدأ العمل على تطبيق خطة، تنص على نشر حوالي الف عسكري على طول الحدود البلغارية-التركية، لإبعاد المهاجرين وإعادتهم إلى تركيا، وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الأجنبية، فإن هؤلاء العسكريون المسلَّحون، لديهم صلاحيات باستخدام سلاحهم عند الحاجة.

وخلال الاحتفال بعيد "ألبينا" في مدينة شومن، قامت نخبة من المثقفين البلغار -أكاديميين وكتَّاب- قاموا بالتوقيع على بيان يُحذِّر الحكومة البلغارية من مغبة استضافة اللاجئين، معتبرين أن موجة اللجوء، هي من أجل الاستلاء على أوروبا، وأن معظم اللاجئين مهيئين، لأن يصبحوا إرهابيين.

وبطبيعة الحال فقد عكست الأحداث المتسارعة، والمواقف المتضاربة من قضية اللجوء خلال الشهر الفائت، انقسامًا واضحًا على المستوى الشعبي في البلاد.

تهامة الجندي
العربي الجديد 4 اكتوبر 2015 الرابط

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق

زيلينسكي: اسألوا أنفسكم لماذا لا يزال بوتين قادرًا على الاستمرار في الحرب؟