مالذي حدث في الغوطة الشرقية؟ (2)

بقلم: أوس المبارك

(5)

بعد سقوط النشابية وحزرما وتل فرزات، وتراجُعِ جيش الإسلام إلى ما بعد فوج الشيفونية، توقفت قوات الأسد عن التقدم باتجاه دوما، وتقدمت في الأراضي الزراعية الخاضعة لسيطرة الفيلق، وهي المحمدية والإفتريس والأشعري وبيت سوى. المحمدية تليها جسرين، والإفتريس تليها سقبا، والأشعري تليها حمورية، وبيت سوى تليها مسرابا ومديرا.

حينها اجتمع أبو النصر، قائد فيلق الرحمن، بجمع من القيادات المدنية والعسكرية والوجهاء، وأبلغهم أن العمل الأفضل الآن هو أن يدافع كل أهل بلدة عن بلدتهم، أي أن يقاتل الجسارنة في المحمدية، والسقابنة في الإفتريس، وهكذا... وتعهد بتقديم كل السلاح المطلوب للجبهات. كان ذلك يعني أن لا جبهة ستتبع له مباشرة إلا في الإفتريس وبيت سوى، فجسرين منها قائد جبهة النصرة، وبالطبع سيطلبون منه أن يأتي بقوته لحماية البلدة (والنصرة لم تكن تتجاوز 300 مقاتل في الغوطة)، وحمورية يتواجد فيها لواء أبو موسى الأشعري الذي انشقّ عن الفيلق عدة مرات. وتقديري أن عدم ربط كامل خط الجبهة بقيادة واحدة كان خطأً حتى لو قُدِّمَ لهم أي سلاح يطلبونه، رغم تذرع قادة جميع الفصائل بعدم قدرتهم على تحريك السلاح الثقيل ومضاد الطيران، لسهولة استهدافه بسبب كثافة الطيران الاستطلاعي والحربي. هذا مسلك «هوشة عرب» وليس مسلكاً عسكرياً أكاديمياً، كما كان يدعي القادة. وربما تمّ اللجوء إلى هذا كي يكون سهلاً أمر إخلاء المسؤولية في حال الفشل، وهو ما حدث لاحقاً فعلاً؛ تهيئةُ أسباب تبرير الفشل كان أول الفشل.

كان التقدم حينها متركزاً على منطقة بيت سوى، وكان واضحاً أن الهدف هو الوصول إلى حرستا وفصل الغوطة إلى قسمين بعد أن كان الطيران منذ بداية الحملة يستهدف الطرق بين قطاعي سيطرة جيش الإسلام وفيلق الرحمن لمنع إرسال مؤازرات بين الطرفين. روى قائد أركان الفيلق، أبو علي الشاغوري، وهو مقاتل مخلص ضد الأسد كان يعمل نجاراً قبل الثورة ولا يجيد القراءة والكتابة جيداً، واستشهد تالياً في المعركة في ظروف غير واضحة، أنه اضطر مع مرافق له في بيت سوى للتظاهر بأنهما ميتان لمدة ساعة ونصف بعد أن لاحقهما طيران الاستطلاع والطيران الرشاش وهما على دراجة نارية.

لم يكن القادةُ مختبئين في الأنفاق والأقبية كما كان يُشاع بين المدنيين، من كانت مهمته ميدانية كان موجوداً ميدانياً، مثل أبي علي وعامر عبيد وأبي عمران خميس وغيرهم. أما من لم تكن مهمتهم ميدانية، فليس من الوجاهة وصفهم بأنه يختبئون في الأقبية كما كان حال جميع أهالي الغوطة، أو أن أقبيتهم كانت أكثر أماناً ومزودة بالكهرباء والإنترنت، أو أنهم لا يشعرون بما يحلّ بالناس من مجازر، وهي الأقوال التي شاعت بين الناشطين والناس الذين لجأوا إلى أقبية غير مجهزة وغير مُخدَّمة، في وضع صحي ونفسي كارثيين.

الخلاف مع قادة الفصائل وأمنييهم على نقض مبادئ الثورة والتنازع مع المدنيين على السلطة، لم يكن ينبغي أن يوصل إلى رفض ترتيب وضع آمن للقيادة العسكرية، بقدر ما كان ينبغي أن يؤدي إلى الاحتجاج على تبديد كثير من جهد العسكر في معارك عبثية، وعلى تفكيرهم بالالتفات إلى السيطرة على الداخل لا إلى تجهيز إمكاناتهم لمواجهة عدونا وعدوهم وجعلها الأولوية في عملهم.

نجحت قوات الأسد بالسيطرة على مديرا ومسرابا بعد عدة أيام من سيطرتها على بيت سوى، ففرضت طوقاً على حرستا التي تسيطر عليها حركة أحرار الشام، وتمّ كذلك فصل القطاعين عن بعضهما ليصبح الفيلق معزولاً عن جيش الإسلام، وكذلك أحرار الشام معزولة في حرستا.

حينها تيقنتُ أن الغوطة ستسقط لا محالة، وأنها مسألة وقت وحسب. كنتُ جالساً مع ضابط كبير كان في المجلس العسكري لدمشق وريفها لفترة قبل أن يعتزل العمل العسكري منذ سنين، حين وصلته رسالة من ضابط صديق له في جيش الإسلام، يقول له فيها بعد أن سأله عن الوضع: «للأسف قطاعكم كله سيسيطر عليه النظام والفيلق لن يستطيع الصمود وسينهار، وهذه نتائج أفعال أبو النصر الكلب».

رغم أن خطابَيّ جيش الإسلام وفيلق الرحمن كانا شديديّ التأكيد على التعاون والتنسيق بينهما، لكنّهما أيضاً كانا يتنافسان على ادعاء الكفاءة العسكرية لتبرير اقتتالاتهما، التي لم يكن للكفاءة العسكرية نصيبٌ في مسبباتها. أحدهما يريد أن يقول للآخر أنه لو كان أتيح له القضاء عليه والسيطرة على كامل الغوطة لكان الوضع أفضل. وهذا ما ردده قادات في الفيلق بعد سقوط النشابية، وردده قادة في جيش الإسلام بعد ذلك.

بعد فصل القطاعين، بدأت قوات الأسد بالتقدم في الأراضي الزراعية في المحمدية والإفتريس والأشعري لتصل إلى جسرين وسقبا وحمورية، مدن وبلدات قلب الغوطة. تعرضت حينها حمورية، المتاخمة لبيت سوى والأشعري، إلى حملة قصف غير مسبوقة. دُمِّرَ معظم المدينة، وقُصِفت بالكيماوي عدة مرات، وقضى سكانها ليلة كاملة مع المروحيات التي لا تتوقف عن رمي البراميل كل بضع دقائق. كانت ليلة شنيعة عليهم. وبعدها قررت مجموعة من الوجهاء والناشطين التفاوض مع قوات الأسد، بعضهم أعرفه جيداً وأعرف عمله الثوري، دون قبول لواء الأشعري في البداية، لكنّ حادثة المسيرة المؤيدة التي رفع فيها بعض أهالي المدينة علم قوات الأسد، وهتفوا «للوحدة الوطنية»، جعلتهم يغضون النظر عن خروج لجنة التفاوض إلى دمشق. وحين عادت اللجنة بورقة اتفاق، وهو الاتفاق ذاته الذي تم إقراره في النهاية، رفضته قيادة لواء الأشعري في البداية، لكنها مع ضغط المدنيين أعلنت قبوله لاحقاً، فيما كانت بقية المدن ترفض اتفاق لواء الأشعري لوحده مع قوات الأسد لتسليم حمورية، إما من أجل انضمام بلداتهم ومدنهم إلى الاتفاق، أو رفضاً قاطعاً لأي تسليم أحادي أو جماعي.

وفي صباح تنفيذ الاتفاق اختفى قائد اللواء وكل قياداته. بحثت اللجنة عنهم ولم تجدهم. لم يعودوا يجدون سبيلاً للتهرّب من الاتفاق سوى الاختفاء عن الأعين، فعادت قوات الأسد إلى قصف المدينة.

بدأت تتردد أخبارٌ عن أن قوات الأسد سيطرت على كتيبة الإفتريس ووصلت إلى أراضي جسرين. كانت السيطرة على كتيبة الإفتريس تعني أن قوة عناصر الأسد زادت أكثر من ذي قبل، باعتبار أن القاعدة ستصبح منطلقاً لعملياتهم بالقرب من سقبا وحمورية وجسرين، ومكاناً لتموضعهم.

كان الخبر قد وصل من النساء، كما كانت الأخبار قبلها تصلنا، ويتضح بعد فترة أنها صحيحة. لمدة يومين كنا نتواصل مع القادة الميدانيين حول الخبر وكانوا ينفونه تماماً: «بس دبابة فاتت عالكتيبة وعم نتعامل معها». هذا آخر ما حُرّر من أخبار، قبل أن ألقى صديقاً يقاتل على جبهة الإفتريس ليخبرني أنه تَرَكَ الجبهة أمس ليهتمّ بأمر أسرته وأهله، وأن قوات الأسد منذ يومين تسيطر على كتيبة الإفتريس واقتربت من الدخول إلى أراضي سقبا. صَدَقتْ أخبار النساء دوماً، فيما كانت أخبار قيادات الفيلق تتبع النهج «الصحّافي».

بعد أن تأكد خبر السيطرة على الكتيبة، بدأ القادة يؤكدون أنهم قاموا بتحصين «خط الصرف الصحي» جيداً، وهو الخط الفاصل بين الأراضي الزراعية وبداية الأبنية السكنية في مدن قلب الغوطة، وأن هناك عملاً ضخماً يتم تجهيزه لقلب الدفاع إلى هجوم. لم يمرّ على كلامهم ساعات قبل أن يصلنا من النساء أن قوات النظام قطعت خط الصرف الصحي بين سقبا وحمورية وأصبحت عند الطاحون، وهي المنطقة التي قُصِفت عدة مرات بالكيماوي خلال المعركة. وهذا يعني أنها ستصبح في قلب حمورية وسقبا خلال ساعات. عزمتُ مع عائلتي على النزوح. حاول الأصدقاء منعي معتبرين أنها مجرد شائعات، وأنني سأعرّضُ عائلتي «للشنشطة والبهدلة». فأجبتهم أن أخبار النساء لم تَخِب منذ بدء المعركة، وأن هذه الشنشطة هي البداية فقط والقادم أمَرّ. ذهبتُ وقابلتُ أحد قيادات الفيلق ونصحته بالتسليم حماية لأرواح المدنيين، والاكتفاء بما دُمِّرَ من بيوت السكان التي تهدم أكثر من نصفها في كل الغوطة، وأنه لا مجال للمقاومة بعد هذا الانهيار. كان ردّ فعله عنيفاً ووصفني بالمُخذِّل. نزحتُ قبل هبوط الليل إلى حزّة.

في ظهر اليوم التالي اتضحت الأمور دفعة واحدة. نزح المدنيون من سقبا، خرجوا بثيابهم ولم يحملوا شيئاً سوى أطفالهم. كانت قوات الأسد قد تسللت من منطقة الطاحون وسيطرت على حمورية، ووصلت إلى الصرف الصحي من الناحية الشرقية لسقبا، وأصبحت في بداية الأبنية السكنية في جسرين. قيل إن المدنيين أجبروا المقاتلين على تركهم يخرجون من الغوطة بعد أن رفض لواء الأشعري الاتفاق، فيما كانت قوات الأسد والقوات الروسية تتحدث عن فتح معابر للمدنيين منذ بداية الحملة.

استغلت قوات الأسد هذا المعبر من منطقة الطاحون لتدخل بالدبابات وتسيطر على حمورية. خرج شباب سقبا للدفاع عن مدينتهم، واستطاعوا منعها من التقدم برغم تلاصق حمورية وسقبا، وكانوا يدافعون من ناحية الصرف الصحي أيضاً. قابلتُ شخصاً من قيادات الفيلق في حزّة حينها. قال إنهم لن يستسلموا ولن يعترفوا بالهزيمة حتى لو وصلت قوات الأسد إلى باب بيته. كان واضحاً لي أن قوات الأسد ستتمكن من اجتياح الغوطة كلها، وأن الفيلق متعالٍ على الواقع المرير، خصوصاً بعد خطاب أبو النصر قائد فيلق الرحمن عن الصمود والتصدي، برغم انهيار قدراته الدفاعية وانسحاب كثير من شبابه من خطوط النار وتحوّل القتال من طرفه إلى فوضى دون تنظيم. كان هذا يعني أنها فرصة ذهبية لقوات الأسد لتعتقل الجميع أو تقتلهم أو تسوقهم إلى القتال معها، فلا اتفاق يبدو أن الفيلق سيقبل به كما حدث في داريا أو غيرها.

في صباح اليوم التالي قال لي حميَّ إنه سيخرج مع حماتي من المعبر، تمنيتُ لهما الوصول بالسلامة، فقال لي: وتهامة وسموّ؟ نظرتُ إلى زوجتي فعرفتُ أنها ترفض الخروج، لذلك كلمني حميَّ من أجل إقناعها. في النهاية حملتْ سمو، وخَرجَتا معهما. كانت لحظة الوداع عصيبة، قلت لهم أن لا يبحثوا عني أو ينتظروني في حال استطاعت قوات الأسد اجتياح الغوطة، وودّعتهم وأنا مقتنعٌ أنني لن أراهم بعدها، لأنني سأفعل جهدي أن لا يمسكوني حياً. لحقتهم لأراقبهم من بعيد، كانت سمو سعيدة للخروج من القبو وكأنها ستخرج «مشوار». دخلتُ منزلاً مهجوراً، وبكيت.

قررتُ النزوح إلى زملكا. كنتُ قد بدأتُ أسمع أصوات الرصاص من كفربطنا، ولم أتوقع سوى أن قوات الأسد استطاعت التقدم من ناحية منطقة الزور إلى كفربطنا، ولم أكن قد سمعت بالضفادع قبل وصولي إلى زملكا.

(6)

في زملكا ذهبتُ إلى قبو المجلس المحلي وأصبحتُ أنام فيه ليلاً لوحدي غالباً، أو برفقة الحارس الليلي الذي أوكل لي مهمته بعد يومين. في المجلس أُتيحَ لي أن أحتكّ أكثر بقياديين، وحين وصلتُ إليه كان الحديث عن الضفادع الذين تسلحوا ليقاتلوا لصالح قوات الأسد في كفربطنا. أسموهم الضفادع نسبةً إلى الشيخ بسام ضفدع، وهو شيخ كان مؤيداً للأسد في بداية الثورة وقام بتسليم متظاهرين من مسجده. روى لي صديق عن حادثة تسليم الشيخ لأخيه من المسجد إلى الشبيحة أثناء بدء مظاهرة اقتحموا فيها المسجد قبل خروج المتظاهرين إلى الخارج، وما زال معتقلاً إلى اللحظة. ظننتُ أنه أساء فهم الموقف حينها، فالشيخ الذي وجد الشبيحة فوق رأسه في المسجد كان عليه أن يتعاون معهم، وإلاّ! فكيف يمكن لشيخ أن يجعل سمعته تحمل صفة «عوايني» علناً بكل ما لها من تقبيح اجتماعي؟ وكيف يمكن أن يُفسَّر بقاؤه في الغوطة طيلة هذه السنين وخلال كل الأهوال التي عاشتها الغوطة؟!

بقي الشيخ في منزله ومسجده، لم يؤذه أحدٌ على عكس ما حدث للشيخ المؤيد الآخر في كفربطنا، مأمون رحمة، الذي قطعوا له أذنه قبل أن يخرج ويصبح إمام المسجد الأموي في دمشق. وبعد تحرير الغوطة لم يتعرض له أحد، كما أن خطابه أصبح محلياً مركّزاً على مصالح المدينة وأهلها، وتوقف عن تأييد الأسد أو الدعوة له، مقتصراً على الجانب الديني الروحاني في أغلب خطبه.

كان للشيخ مريدون ومحبّون كثر في كفربطنا، يصفونه بغزارة العلم والهدوء والاتزان، وقد اتضح هدوؤه وثقته بنفسه في فيديوهاته التي ظهرت مؤخراً. على عكس مأمون رحمة الذي يبدو انفعالياً ومستفزاً حين يظهر في خطب الجمعة في الأموي، وربما هذا ما جعل الاعتداء على الأخير ممكناً في بيئة تجعل للمشايخ حصانة وتحفظ للتركيبة الأهلية قيمتها.

لم يشارك الشيخ في أي عمل ثوري، سوى أنه أصبح أحد المشايخ الذين تضمهم «الهيئة الشرعية في دمشق وريفها»، وهي هيئة صوفية أشعرية شافعية قريبة من «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» الذي انضم عام 2016 إلى فيلق الرحمن، وتأخذ إدارتها دور المرشد للاتحاد. وكان يوجد مقابلها «الهيئة الشرعية العامة» ذات التوجه الحنبلي السلفي، التابعة لجيش الإسلام. كما أنه كان يحضر اجتماعات مشايخ وولائم كما يفرض «الجو الاجتماعي».

كانت معيشة المشايخ يسيرة في الحصار، فقد كانت تُقدَّمُ لهم الرواتب والمعونات دورياً، ولم تصل الحال بأحد منهم إلى الجوع، كما أن مكانتهم ظلت محفوظة، بل تعززت مكانة بعضهم حين دخلوا إلى مواقع النفوذ والسلطة. أقول كل ما ذكرته عن الشيخ آنفاً لأشرح الوضع وما أُقدِّرُ أنه سببُ بقائه، بعيداً عن فرضية أنه بقي ست سنوات لأنه يتهيأ لهذه اللحظة كما أُشيِع كثيراً. الرجل بقي في مدينته وبيته ومسجده وبين مريديه وأقاربه وأهله، بعد أن أَمِنَ عدم التعرض له وعدم الجوع وعدم إنقاص مكانته.

حين بدأ الشيخ يدعو شباب الفيلق من أهل كفربطنا إلى الدخول في «مصالحة»، استجاب له عشرات الشباب في البداية، فجاؤوا إليه بسلاحهم. كانت قوات الأسد حينها قد سيطرت على حمورية وجسرين ودخلت الجزء الشرقي من سقبا، أي أن دخولها إلى كفربطنا كان مسألة وقت، وكان الشيخ يحاول أن يكسب من الوضع الجديد، وقال للشباب الذين استجابوا له حينها أن يخبروا الناس بأنه لن يتم قصف كفربطنا بعد الآن لأنه «أخذ ضمانات من النظام» ليدخلها الأخير دون قتال. بعد ساعات حدثت مجزرة النابالم في كفربطنا التي راح ضحيتها العشرات حرقاً. وتدخلت جبهة النصرة في اليوم التالي لتقبض على الشيخ، فاشتبكت مع شبابه. تدخل حينها أبو النور حسام نمور، أكبر قيادي عسكري من كفربطنا في فيلق الرحمن، ليحاول وقف القتال ويقوم بحلّ الأمر سلمياً مع الشيخ. وكان عنيفاً في رده على مقاتلي النصرة من أجل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكفربطنا، وأنه سيقوم بحل المشكلة داخلياً دون تدخل. فقتلته جبهة النصرة التي شكّت أن يكون متعاوناً معهم. هنا ثار شباب كفربطنا في الفيلق ضد النصرة وقاموا بالاقتتال معهم، وربما ظنوا أن حسام نمور قد انحاز للشيخ، وهو ما لا يمكن الجزم به، لكنّ ما يمكن تأكيده هو أن العصبية الأهلية و«لحمة البلد» تحركت لديهم ليواجهوا النصرة بعد قُتِلَ قائدهم، وليقفوا في صف الشيخ بعد أن رأوا أن قوات الأسد ستدخل لا محالة وأن هناك فرصة للبقاء دون تعرضهم للأذى، وربما يعاملون معاملة خاصة بعد قيامهم بالانقلاب على الفيلق والتحوّل إلى ميليشات مع قوات الأسد قبل دخول الأخيرة إلى كفربطنا.

أي وباختصار، لم يكن الضفادع سبباً في سقوط الغوطة كما أُشيع، ولم يكن لهم دور هام، وقد تم تضخيم دورهم من الطرفين، من قوات الأسد التي أرادت أن تُظهر أنها تعمل منذ سنين على ميليشيات تابعة لها في الغوطة، ومن العسكر والناشطين الذين حمّلوهم مسؤولية دخول قوات الأسد إلى الغوطة بعد أن «أتونا من بين ظهرانينا».

 

نقلًا عن موقع "الجمهورية" 25 حزيران 2018 

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

حسين العودات.. رحلة القلق والأمل

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق