بلبلة في قصر بعبدا.. وسقوط الحكومة حتمي

بريشة موفق قات

بقلم: منير الربيع
ما تحقق في الأسبوع الأول من تحركات اللبنانيين، هو تلمّس لطريق غير مألوف في المجريات السياسية اللبنانية. نتائج ذلك لن تظهر حالياً. وهذا ما تعبر عنه أدبيات ولغة الناس الذين خرجوا من قاموس الحزبية والطائفية والمذهبية، مطالبين بحقوقهم كمواطنين، بدلاً من: حقوق مسيحيين أو حقوق مسلمين. انتفض اللبنانيون على المعادلة الطائفية التي تنطوي على الكثير من الخدع. مشاهد الناس في الساحات تخطّ نهاية هذه الحقبة. وتبدأ بحفر مسار سياسي جديد للعلاقة بين الدولة والمواطن.

الهجوم الفاشل
لم تترك السلطة أي أسلوب لإجهاض الحراك وإنهائه. وهي انتقلت من حال الدهشة والمفاجأة إلى مرحلة الهجوم المعاكس. اتخذ هذا الهجوم أشكالاً متعددة سياسياً وإعلامياً، وتشويه الحراك بإثارة نعرات طائفية والعمل على زرع الشقاق فيه. محاولة تصوير أن القوات اللبنانية هي التي تقفل الطرقات، في إطار تصفية حسابات سياسية، والتلاعب بعقول الناس، عبر إثارتها بما يذكّر بأيام الحرب. لكن كل هذه الأساليب التي لم تجدِ نفعاً، أثبتت أنها تدّل عن افتقار السلطة لأي خيارات بديلة لمواجهة التحركات، وأثبتت أن محاولات القفز فوق إرادة المواطنين لم تنجح، خصوصاً أن روحية الناس عالية جداً في الإصرار على المواجهة.
حاولت السلطة إقحام الجيش ووضعه في الواجهة وفي فوهة المدفع، لكنه لم يقع في فخ السلطة. ولم يضع نفسه في مواجهة مع الناس. الجيش يرفض استخدامه من قبل السلطة، فيحمل أخطاءها ويرتكب ما لا يمكن لأحد أن يتحمله ضد الناس. وهذا يؤكد أن من الصعب إنهاء الحراك، مهما كانت المحاولات والأساليب. فما جرى كسر الكثير من الحواجز، إلى حدّ عدم قدرة بكركي ودار الفتوى عن مواكبة التحركات ودعوة السلطة إلى مواكبتها.
التمسك بباسيل
وسط كل المحاولات، لم تخرج السلطة من ارتباكها. اجتماعات متوالية بحثاً عن مخرج. طروحات سياسية، إعلامية، قضائية، عبر تحريك الملفات وفتحها بحق مسؤولين سابقين، لعلّ ذلك يمتص غضب الناس ويمنحها المزيد من الوقت.. كل ذلك لم ينفع. الاتصالات استمرت بين أركان الحكومة، خصوصاً مع الجولة التي قام بها وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي على الرؤساء وكانت الغاية منها استعراض كل الحلول الممكنة، خصوصاً أن الاشتراكي على قناعة بأن كل الأساليب التي تم اللجوء إليها في مجلس الوزراء وغيره ليست كافية ولا واقعية ولا تقدّم شيئاً للمواطنين. واعتبر الاشتراكي أن الناس بحاجة إلى صدمة كبيرة، تستجيب لمطالبها، وقد اقترح الاشتراكي مبادرة لتعديل الحكومة بشكل جوهري، مع استبعاد الوزراء المستفزين، بما فيهم الوزير جبران باسيل. هذا الاقتراح، كان مدار بحث طوال الساعات الماضية. لكن رئيس الجمهورية رفضه بالمطلق. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن القصر الجمهوري شهد بعض الخلافات والتباين في الآراء حول هذا الحل، خصوصاً أن جزءاً من عائلة الرئيس عون وبناته يؤيدون خيار استبعاد الوزير جبران باسيل من الحكومة، ضمن التعديل الوزاري المقترح. مسؤولون آخرون أيضاً فاتحوا عون بهذا الأمر. والرئيس نبيه بري أيّد ذلك مستعداً للتضحية بوزير المال علي حسن خليل، إذا ما تمت الموافقة على إقالة باسيل. حزب الله يبحث عن كل الخيارات البديلة، ولكنه يشترط موافقة عون.
باسيل عون: الشارع المضاد
وفي هذا السياق، تكشف المعلومات عن لقاءات عديدة حصلت، بهدف البحث عن مخرج، إلا أن عون وباسيل أصرا على رفض هذا المقترح. خصوصاً أن باسيل هو الصورة القوية للعهد. ويخوض معركة الرئاسة المقبلة. فلا يمكن أن يسمح باستبعاده، لأنه سيكون قد تعرض لنكسة قاتلة سياسياً. وسيظهر بأنه سقط بفعل الرفض الشعبي له. حزب الله بين تعديل وزاري وبين إسقاط الحكومة يؤيد الأولى بالتأكيد، لأن ما بعد استقالة الحكومة أمر غير مضمون النتائج. ولا يبدو رئيس الجمهورية وباسيل أنهما في وارد الاستسلام لأمر استقالة حكومة. ويصرّان على إيجاد حلّ للخروج من المأزق بأي طريقة، بما فيها اللجوء إلى الشارع المضاد، بعد فشل كل المحاولات.
لكن اللجوء إلى الشارع، والمنازلة الشعبية، لن تؤدي إلى الخروج من الأزمة. بل ستزيدها تعميقاً. وهذا يدلّ على عنجهية وقصر نظر في معالجة الأمور، وأخذ الأزمة من مكان إلى آخر، وتحويلها إلى ساحة للصراع، لا علاقة لها بالإصلاحات ولا بالبحث عن إرضاء المواطنين ومطالبهم.
في مقابل ذلك، يبقى القلق مساوراً قلوب أركان السلطة. وهم على يقين أن كل يوم يمرّ يراكمون الخسائر أكثر. فهم حتّى في لحظة تعرّضهم للخسارة لا يعرفون كيف "يخسرون" كما لم يعرفوا كيفية الربح من قبل. هذا المسار كله يؤكد أن الحكومة ستؤول حكماً إلى الاستقالة في النهاية. إسقاط الحكومة هنا، لا يستهدف أي طائفة، بل يعني إسقاط التسوية حكماً، وإسقاط ركن أساسي من العهد. فقوة العهد من قوة إحكامه القبضة على الحكومة وقرارها.

نقلا عن المدن 24/10/2019

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

حسين العودات.. رحلة القلق والأمل

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق