ما بعد التغريبة السورية

بقلم: مانيا الخطيب

منذ  خمس سنوات وبعد أن وصل السوريون – قسراً – إلى مهاجرهم البعيدة في موجة اللجوء الأخيرة في 2015 ، وتركوا بيوتهم وأحلامهم وبعضاً من ذويهم تحت جحيم الإبادة الممنهجة. انخرطوا في شؤون حياتهم الجديدة، منهم من كان في طليعة المظاهرات المنادية بالحرية والكرامة، ومنهم من خرج من معتقله مثخناً بجراح لا شفاء لها، ومنهم من كان يلقي نفسه في حمم الموت لإيصال الدواء والغذاء إلى الأماكن المحاصرة والمعاقبة بجحيم الحقد النرجسي لطغمة الحكم المجرمة في دمشق، ومنهم من كان يحمل كاميرته على روحه لينقل ما يحدث لعل ثورة الديجيتال العالمية تحمل صوت شعبه إلى أقاصي المعمورة، ومنهم من وقع لاحقاً بين مطرقة النظام وسندان الثورة المضادة، حتى وصل شبه محطم إلى منفاه الجديد.

الأسئلة التي تطرح نفسها في خضم التحديات الجديدة من تعلم اللغة الجديدة، والتأقلم وصعود الأصوات العنصرية في الغرب والتي لا ترحب بهذا الإنسان الذي يحمل بعض الحلم في أمل جديد.

ما الذي بقي حتى يفعله بعد مرور هذه السنوات الخمس؟ بعد أن قطع الكثيرون مراحل متقدمة من تشكيل تجارب جيدة هنا رغم كل الظروف

ما الذي يمكن القيام به في ظل الاستعصاء السياسي السوري، والذي حصر العمل الثوري في مؤسسات تثير سخط الشعب تقريباً بنفس القدر الذي يثيره نظام الحكم ولا يلوح في الأفق أي انفراج أن تتشكل على المدى المنظور أجندة سورية وطنية جامعة تؤسس لانتقال حقيقي لمرحلة جديدة؟

الجواب على مثل هذه الأسئلة الصعبة، يكمن في إبراز الكثير من الأمور التي لم تنجز بعد. أي أننا في الوقت الذي يبدو أننا لا نستطيع فعل شيء هو بالضبط الوقت الذي تتحدد به بوضوح شديد أنه الآن تحديداً هو وقت البدء في العمل.

الحقيقة أن أهم ما يمكن القيام به، هو التأسيس الجدي لتطوير المهارات المهنية التخصصية للسوريين في بلاد المهجر، كل من موقعه، ومن خلال سلطات البلاد التي يعيشون بها . الفكرة هي أنه الآن بالضبط حان الوقت لأن يتدرب السوريون على تشكيل اللوبيات في الخارج، والتي سوف تشكل مع مرور الوقت قوى ضاغطة مدنية وسياسية من شأنها أن تنجز الكثير، منها التأثير على صناعة القرار السياسي، والتأثير في الرأي العام في البلدان المتواجدين فيها. وطالما أن العمل قوامه الحرفية والإخلاص والنزاهة والتواضع، فإنه بلا شك سوف يلاقي النجاح. سوف نتمكن من تعمير المدارس ودور العناية الطبية، وتحسين ظروف الحياة في الفترة القادمة لأهلهم في سورية، سوف يستطيعون أن يكسبوا تعاطف وتعاون الشعوب التي يعيشون بينها، ويبنوا جسوراً بينها وبين سورية وأهلها.

سوف يتمكن المتخصصون السوريون من المضي قدماً في مجالاتهم العديدة.

هذا لن يحدث قبل الاعتراف بأهمية العمل المؤسساتي الاحترافي، والعمل التنظيمي المتين، والابتعاد عن أي استقطابات من شأنها أن تبعثر العمل.

نحن الآن أمام ركام من الأنقاض والأشلاء، ولم يعد ينفع أي شيء على الإطلاق إلا الركون إلى العلم والمعرفة والتدريب، وشحذ الهمم والطاقات وخصوصاً الشبابية منها التي سوف تنقل سورية إلى عصر جديد، إنه استحقاق حتمي. 

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

حسين العودات.. رحلة القلق والأمل

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق