الفن في الحرب لـ ماركو ويلمز .. كيف أصبح الجدار صحيفة الثورة المصرية

من فيلم ART WAR
كيف واجه نشطاء الثورة المصرية العنف بالأغاني والرسوم؟ وابتكروا أشكالا جديدة، لما يمكن تسميته بـ"فن الشارع" في غمار حراكهم السلمي من أجل الحرية، منذ انتفاضة يناير ورحيل مبارك، إلى عهد السيسي، هو ما استحوذ على اهتمام الفيلم الألماني "الفن في الحرب" ((ART WARالذي قُدّم في معهد "غوته" بالعاصمة البلغارية، ضمن عروض مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة في الدورة التاسعة عشرة من "مهرجان صوفيا السينمائي الدولي" الذي أقيم مابين 5و29 آذار/مارس.

الفيلم من سيناريو وإخراج ماركو ويلمز، أنتجته شركة "هيلدنفيلم" عام 2014، وخلال أربع وثمانين دقيقة تنتقل المشاهد بالمتلقي ما بين تجارب ستة من الفنانين المصريين الشباب، استطاعوا أن يجعلوا من الجدران والساحات العامة سجلا فنيا، ينطق بيوميات الثورة المصرية، ويحفظ ذاكرتها، بدءا من شعارات المتظاهرين، إلى ضحايا القنّاصة وحملات القمع والتعذيب، انتهاء بالتعبيرات الفاضحة، التي حاولت تحدي سلطة المتشدّدين والتابو الجنسي.
أحد أبطال التجريب الفني من أجل الدفاع عن ثورة لم تكتمل بعد، هو الفنان التشكيلي الشاب عمار أبو بكر، الذي ملأ جدران كلية الفنون الجميلة في الأقصر برسومه الغرافيتية، التي نفذها بمساعدة طلابه في الكلية، وحملت عنوان "الكائنات الفضائية"، وتصدّرت العديد من أغلفة الكتب ومنشورات المعارض الأوروبية والأمريكية. هذا الفنان جعل الأسوار الصماء أشبه بجريدة الحائط، التي لم تغفل حتى صورة علياء المهدي، العارية على الفيسبوك، في تحديها الجسور لأشكال التحرش والاغتصاب، التي تعرضت لها النساء في المظاهرات.
ثاني الرسامين هو جنزير، الذي اشتهر بمشروع "جدارية الشهداء" بعد تنحّي مبارك، وبدأها بالشهيد سيف الله مصطفى، الذي استغرق رسمه حوالي اثنتي عشر ساعة، ثم ابتدع ملصقا يسخر من التطرف الإسلامي، واضطر للهروب إلى نيويورك عام 2014، بعد إعلانه كإرهابي من قبل الإخوان المسلمين. أما الغرافيتي علاء عوض فقد استلهم التراث الفني الفرعوني، لتناول واقع الثورة المصرية، في جدارياته على امتداد شارع محمد محمود عام 2012، ثم على جدران مدرسة خالد بن الوليد الثانوية في محافظة الأقصر.
ومع بداية الثورة، حمل رامي عاصم غيتاره، وغادر بلدته المنصورة، إلى ميدان التحرير في القاهرة، أقام في خيام المتظاهرين، وبدأ يؤلف الأغاني التي تنطق بشعارات الثوّار، وأولها أغنية "ارحل"، تعرض للاحتجاز والتعذيب، لكنه تابع كفاحه، وأصبح منشد الثورة الأول، حتى تم منعه من الغناء في الأماكن العامة، فسافر إلى هلسنكي، ومنها إلى عواصم أوربية أخرى، حيث لا يزال يقيم الحفلات، ويغني للثورة. ومن رامي ينتقل الفيلم إلى تجربة بثينة مع أغاني الراب والبوب الإلكتروني، التي قدّمتها في قالب كليبات مصوّرة، تحفل بالإثارة، وتتحدى التابوهات الاجتماعية.
ينطق الفيلم بثلاث لغات، هي العربية والانكليزية والألمانية، ويظهر الكاتب المصري الألماني حامد عبد الصمد، الذي اشتهر بروايته "وداعا أيتها السماء"، كما لو أنه حلقة الوصل الثقافية فيما بينها، لكن على الرغم من تعدد اللغات، فإن تجارب الشبان المبدعين، تتقاطع وتتناوب من دون الكثير من الكلام والشروح، لتخط بنفسها تصوّرا جديدا عن دور الفن وعلاقته بالجمهور، ترك بصمته الواضحة على المستوى العالمي.
ومن خلال مفاهيم الفن الجديد وأدواته، يصوّر المخرج عامين ونصف من أحداث الثورة، هي الفترة التي قضاها في مصر، يتابع سقوط الساسة، وتقلبات الشارع المصري إزاء فناني الثورة، من الدعم والتضامن إبان سقوط مبارك، إلى التضييق عليهم، وتخريب رسومهم في زمن مرسي، وصولا إلى منعهم من القيام بأي نشاط انتقادي بحجة المساس بأن الدولة في عهد السيسي.
وعدسة ماركو ويلمز الجميلة، تنفتح بكل الحب والتعاطف على تطلعات الفنانين، ترصد التمايزات فيما بينهم، وتكتشف القيم الأصيلة في نتاجهم، وفي مشهد الختام ترى أن حراكهم السلمي أشبه بسفينة نوح، التي ستنقل العالم العربي إلى ضفاف الحرية، عاجلا كان أم آجلا.

تهامة الجندي
صوفيا، 25/مارس/2015

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق

علي الشهابي.. شريك الثورة والجراح