رسلان طراد: أتمنى أن يكون رحيل النظام بأيدٍ سورية


قبل فترة وجيزة صدر كتاب "قتل ثورة" باللغة البلغارية لمؤلفه رسلان طراد، وهو إعلامي سوري بلغاري، يدير منتدى الثقافة العربية في صوفيا، وصفحة "معًا لسوريا الحرة" على الفيسبوك. أما كتابه الصادر عن دار "سييلا" فيقوم بشكل أساسي على الشهادات الحية، ويتناول المخطط الدموي الذي وضعه نظام الأسد لإخماد الثورة السورية منذ بداياتها السلمية. بهذه المناسبة التقيت رسلان وبادرته بالسؤال: كيف بدأت فكرة الكتاب، وما هي المرجعيات التي اعتمدها والمرتكزات التي انطلق منها؟ قال:

**نصوص الكتاب تعود إلى بدايات الثورة منذ أن بدأت أهتم بالتظاهرات، وأتابعها بشكل يومي شخصيًا ومهنيًا، أما إعداد المواد وجمعها في كتاب فقد استغرق معي عدة شهور بعد ان اقترحت علي دار النشر الكتابة عما يجري في سوريا، كنت متشككًا في أنني سأستطيع القيام بهذه المهمة، وبدأت أطرح على نفسي الأسئلة، ووجدت أن القضية السورية تُقدم في وسائل الإعلام البلغاري وكذلك الأوربي بلا سياق أو تاريخ، ومن وجهة نظر مغلوطة ووحيدة الجانب، يتحدثون عن الحرب في سوريا، ولا يذكرون الجهات المتصارعة ولا المتظاهرين، ولا كيف تطورت الأمور من الحديث عن الثورة إلى الحديث عن الحرب ضد الإرهاب، وبسبب هذا التناول الإعلامي الخاطئ بدأ الكثير من البلغار وكذلك الأوروبيين يعتقدون أن بشار الأسد سيئًا لكنه أقل شرا من الأطراف الأخرى، ويمكن التعامل والعمل معه، وليس أنه كان السبب في كل ما يحدث. هذا التغيّر في الخطاب الإعلامي هو الذي صدمني وجعلني أبدأ الكتابة، وكتابي يتحدث عن التظاهرات الاحتجاجية وكيف تم قمعها، ويوضح علاقة النظام بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة، وهو موجه بالدرجة الأولى إلى القارئ البلغاري، ويمكن أيضًا أن يخاطب القارئ الأوروبي.
*في كتابك لا تخفِ أنكَ كنت من الموالين لنظام بشار الأسد قبل قيام الثورة، كيف انقلبت عليه؟
**كنت أذهب إلى سوريا في الصيف وأراها دولة حديثة، بدأت بالانفتاح على الغرب، وكنت أعلم أن هناك بعض الإشكالات، ولكني أصمت، وأعتقد أن الرئيس بشار سوف يقوم بالإصلاح، كنت خاضعًا لدعاية النظام حتى صيف 2011، ولم أصدق أن هذا النظام سيرسل دباباته إلى حمص لإخماد الثورة فيها. بعد أن رأيت الجريمة لم أعد قادرًا على الصمت، ولم أعد أصدق أضاليل النظام أو أؤيده.
*في كتابكَ تذكر الكثير من مؤيدي الثورة والموالين للنظام، أين، وكيف جمعتَ شهاداتهم؟
**في السنوات الست الماضية تواصلت مع أشخاص كثيرين:  صحفيين وناشطين ومعتقلين سابقين ومقاتلين ومتطرفين، نساء فقدّن أسرهنّ، ورجال لم يبقَ لديهم شيء، أناس عاديون وآخرون ينتمون إلى السلطة؟ بعض الأشخاص أعرفهم بشكل شخصي ولا أزال أتواصل معهم، وأغلب المؤدين للثورة الذين حاورتهم هم من الناشطين السلميين، بعضهم يقيم في المنافي وبعضهم في السجون أو خرجوا منها، والآخرون يواصلون عملهم في المناطق المحررة، فمنذ عام 2011 بدأت أتواصل مع التنسيقيات المحلية في سوريا. وكنت أجري معهم حوارات أسبوعية حول حقيقة ما يجري: التظاهرات، الاعتقالات، ماذا تفعل الشرطة، هل لديهم تواجد للجيش الحر، ما هي المجموعات المسلحة التي نشأت والتي تلاشت؟ هذه المعطيات وغيرها كنت أدققها يومًا بيوم، وكلها وضعتها في كتابي.
أغلب الحوارات تمت على الانترنت، وبعضها بشكل مباشر، في بلغاريا التقيت بعض الفارين من خدمة العلم أو المنشقين عن الجيش النظامي، واحد منهم استطاع أن يهرب وينجو بنفسه، لكن صديقه قُتل على الحدود اللبنانية، سمعت قصص بعض الجنود الفارين الذين لا تعجبهم الثورة لكنهم ضد سياسة النظام، وكان من الهام بالنسبة لي كصحفي أن أحادثهم وأعرف موقفهم. هناك مقاتلين من دير الزور ومن دمشق تواصلت معهم ولم أذكر أسمائهم حرصًا على حمايتهم، ومنهم علمت أنه لم يعد ثمة ما يمكن تسميته بالجيش السوري النظامي، هناك ميليشيات حزب الله وإيران والدفاع المدني وما شابه.
حكيت عن ابن عمي الذي قُتل بقصف طيران النظام هو وأربعة من أصدقائه، التقيت هنا بناشطة لاجئة، اعتُقلت على الحدود السورية الأردنية، ولاقت الأمرين في السجن، ومع ذلك كانت تبدو لي مثالًا للحفاظ على روح المقاومة السلمية. تحدثت مع بعض الناشطين الذين يساعدون اللاجئين، ومع ممثلين من هيئة التفاوض العليا، وأدركت كيف من السهل ان يسيطر النظام على الناس بالتخويف. صحيح أن جزء من الساسة والدبلوماسيين والنواب الموالين يؤمنون بهذا النظام حقًا، ولا يجدون بديلًا عنه، وآخرين لديهم مصالح وبيزنز معه، لكن الكثيرين لا يستطيعون الكلام لأنه يتم تخويفهم بالانتقام من عوائلهم، وإحدى النتائج التي استخلصتها أنه من الصعب جدًا الحكم على مواقف السوريين، وفي نفس الوقت لا ينبغي الصمت على الجريمة.
*هل لك أن توضح لنا الفرضية التي جاءت في كتابك: أنه ببن الأعوام 2011و 2012 وُضع مخطط قتل الثورة، وفي السنتين التاليتين أُوجدت الذرائع والمبررات لقتلها، وفي عام 2015 تم العثور على القاتل، وبعدها بدأت المقتلة، وأن بعض المعارضين شاركوا في هذه الجريمة من حيث لا يدرون؟ 
**عام 2011 اجتمعت القيادة الحاكمة لتتدارس كيف ستتصرف إزاء المنتفضين، وكلنا نعرف عن قيام "هيئة الأركان" التي وضعت مخططًا لقمع المتظاهرين في مختلف أماكن تواجدهم، ومنذ البداية كانت هناك نية لإنزال الدبابات إلى مناطق التظاهر، حتى قبل ظهور أي من المسلحين أو أي التنظيمات الإسلامية المتطرفة. عام 2012و 2013 بدأ العمل على تنفيذ المخطط،  أفرج بشار الأسد عن الإسلاميين من السجون، وهؤلاء عملوا فيما بعد على تطويق الثوار وخنق الثورة. الضربات الأولى للنصرة كانت ضد الناشطين والجيش الحر، وليس ضد النظام، والكثير من عناصر التنظيم لديهم علاقات مع النظام، وفي شرق حلب وجدوا سجنًا كاملًا لناشطي الثورة الذين اعتقلتهم النصرة، ولم يجدوا فيه أحدًا من الموالين للنظام، وحتى الآن يتظاهر الاهالي في إدلب ونواحيها ضد القاعدة والنصرة.
كان المخطط الذي وضعته حكومة بشار الأسد محكم الصنع، وعلى ما أذكر أنه قبل 2013 لم يكن أحدًا من السوريين قد سمع بـ"داعش"، وأغلب عناصر هذا التنظيم هم من البعثيين والعسكريين السابقين الموالين لنظام صدام البائد، هؤلاء كانوا أداة الأسد، وبواسطتهم استطاع أن يعلن أنه يخوض معركة ضد الإرهاب وليس ضد الثورة، وأن يستميل المجتمع الدولي إلى هذه اللعبة. واحدة من أهم القضايا التي أثرتها في كتابي أن حكومة بشار بالاعتماد على أجهزة المخابرات أسهمت في تشكيل المجموعات الإرهابية ضمن مخططها للقضاء على الثورة.
بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة لعبت دورًا لصالح النظام، ولهذا أقول إن المعارضة أسهمت من حيث لا تدري في المخطط. لماذا يذهبون للتفاوض في جنيف، وعن أي سلام يتحدثون؟ النظام لم يفرج عن المعتقلين، ولم يوقف إطلاق النار ولا الطيران الحربي، إذا لماذا يذهبون للتفاوض وبعضهم لعب دورًا مزدوجا مع النظام وضده مثل زهران علوش وأخيه. لماذا لم يرفع الإسلاميون علم الثورة، لماذا يقاتلون الجيش الحر ويقتلون الناشطين؟ إنهم ينفذون مصالحهم الخاصة او مصلحة النظام ولا يكترثون بمصلحة الثورة؟ انتقد ليس لأني ضد المعارضة، بل لأني غاضب من الأخطاء، ولأنه يجب أن نؤمن بالنقد الذاتي، نحن اليوم نترك مثالًا للأجيال اللاحقة، الذين ستوجهون نحونا بالسؤال ما الذي فعلتموه؟.
*لماذا تستخدم مصطلح "الحرب الأهلية" لتوصيف ما يجري في سوريا، الشعب السوري لم يرفع السلاح ضد بعضه البعض، النظام هو من يخوض معركة ضد الشعب السوري بكل ما أوتي من قوة وعتاد؟
**لا أحبذ استخدام مصطلح الحرب الدينية أو الطائفية الذي يروج له النظام، لكني أعتقد أن الشعب السوري يتقاتل فيما بينه، هناك عداوات وجرائم ارتُكبت داخل العائلة الواحدة، وهناك مناطق كاملة ليست مع الثورة، وتتمنى لو أنها لم تقم، وفي بلغاريا تضارب بعض السوريين في الشارع. النظام نجح في تأليب الناس بعضهم ضد بعض، في البداية لم يكن الأمر كذلك، كان المظلومون ضد الظالم، وكانت أجهزة الأمن ومعها الجيش ضد المظاهرات، فيما بعد لعبت الدعاية دورها، ماذا يرى أغلب السوريين على القنوات المحلية؟ النظام يخوض معركة ضد الإرهاب، ومن هو الإرهابي؟ هو أخيه السوري في الشقة المقابلة أو الحي المجاور لحيّه، والمناطق المحررة لا تخضع لأي سلطة مركزية، هناك مناطق تحت سلطات مختلفة.
*كذلك لا تستخدم مصطلح "قوى الثورة" وإنما "المعارضة"، فهل تعني معارضة الداخل أم الخارج، وما هو موقفك من التدخل الأجنبي في سوريا؟
**أعني المعارضة ككل، وأستخدم هذا المصطلح لأن الكثير من النقاد والموالين للنظام يحاولون أن يثبتوا أن لا وجود للمعارضة في سوريا، وأن كل شيء منظم وفق مخطط خارجي، وهذا ليس صحيحًا، المعارضة السورية موجودة، لكن خلال أربعين عامًا لم يكن في سوريا حياة سياسية كمصر مثلا أو تونس، وأغلب المعارضين كانوا إما في المنفى أو في السجون، ومن الطبيعي أن يكون لهذه المعارضة إشكالات، وأن تظهر تشكيلات إسلامية وشيوعية وليبرالية باسم الثورة، وأن تختلف هذه التشكيلات فيما بينها. بفضل الثورة ظهرت المعارضة إلى العلن، ولم تكن مؤطرة ولا منظمة، وهي تتعلم في سياق معركتها الحالية مع النظام. وربما بعد عامين أو أكثر سوف تنتهي كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة لأن لا قاعدة لها في المجتمع السوري، وهذا تطور طبيعي، أما حين نتحدث عن سيادة الدولة في سوريا فهي منتهكة أصلا بحكم الوجود الروسي والإيراني وميليشيا حزب الله، وأعتقد أنه من الصعب أن يسقط المنتفضون النظام من دون دعم ومساعدة خارجية، وإن كنت ضد التدخل الأجنبي، وأتمنى أن يكون رحيل النظام بأيد سورية خالصة.
*هل تعتقد حقًا أن الثورة ماتت كما يوحي عنوان كتابك؟ أظنها لا تزال تنبض بالحياة.
**أظن أن الثورة التي كانت عام 2011 -2012 تم إخمادها، عدد كبير من الذين بدؤوا التظاهرات لم يعودوا أحياء، وفي عام 2014 بدأ ضرب الجيش الحر من كل الأطراف النظام وإيران وروسيا والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، ونحن لم نستطع أن نوقف الجريمة. علينا أن نضع خطًا، ونحتفظ بذاكرة تلك الأيام ونستخلص منها العبر والدروس، ونبدأ بتنظيم ذواتنا من جديد، ومن جهتي لا ينبغي أن نتهم أحدًا، فلم يكن هناك سبيلا آخرًا، كانت طائرات النظام تساندها روسيا، وكان الغرب يتفرج على المقتلة. ينبغي أن تتوحد المعارضة وأن تتخذ موقفا واضحا من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وأن تقوم الثورة من جديد. العمل في وسائل الإعلام هام بقدر ما هو هام العمل العسكري، ويجب ان نعمل بقوة وهجومية وأن لا نمنح النظام وقتًا، فهذا ما يحتاج إليه. كتابي يحمل عنوان "قتل ثورة" ولكن الثورة لم تمت، لكنها في الطريق إلى الموت إن لم نتكاتف جميعا لنجدتها.

حوار: تهامة الجندي
شبكة جيرون الإعلامية 8 آب 2017 

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق

غرافيتي الثورة: "إذا الشعب جاع بياكل حكّامه"