مزنة الجندي: الأكثر إثارة للألم النساء اللاتي وَلدّن في حافلات التهجير


"أغلب المقيمين في مراكز الإيواء التي هيأتها لجنة الطوارئ في معرة النعمان هنّ من النساء، وأكثر الحالات إثارة للألم هنّ النساء اللاتي وَلدّن في حافلات النقل أثناء رحلة التهجير القسري من الغوطة الشرقية، وأكثرهنّ إثارة للتعاطف هنّ اللواتي جئن وحيدات". تقول لي السيدة مزنة الجندي، وتضيف: قبل قليل كنتُ أجالس واحدة منهنّ، كانت تعمل مدرسة للغة الإنكليزية في مركز "النساء الآن" بحزة، أمها تعيش في دمشق، استشهد والدها وأخوها في المعارك الأخيرة، وأخوها الذي بقي على قيد الحياة يرفض الخروج من الغوطة. قصتها حزينة تشبه قصص الملايين من السيدات السوريات اللاتي فقدّن أحبتهنّ، ووجدن أنفسهنّ وحيدات.

تستطرد مزنة، وتقول: إن المجلس المحلي في "معرة النعمان" حيث تعيش، قام بتشكيل لجنة طوارئ لإغاثة المهجرين من الغوطة الشرقية، وتأمين أماكن لإيوائهم. أسألها أن تصف لي مراكز الإيواء، فتقول: فُتحت أبواب المساجد كلها للقادمين من الغوطة، بعد أن تم تزويدها بالفرش والبطانيات، كي تصبح مكانًا مؤقتًا لاستقبالهم، ريثما يتم تأمينهم بشكل أفضل.
محدثتي السيدة مزنة الجندي هي مديرة منظمة "النساء الآن من أجل التنمية" في إدلب وسراقب ومعرة النعمان، ومنذ أن بدأت موجات التهجير من الغوطة الشرقية، أطلقت عدة نداءات لمساعدة المهجرين على صفحتها في فيسبوك، وفتحت أبواب المركز لحملات التبرع بالألبسة لجميع الأطفال، وكما ذكرت لي فإن الحملة لاقت دعمًا كبيرًا من الأهالي، وأسهم طاقم المركز في توزيع الألبسة وسلات الغذاء وألعاب الأطفال على المهجرين، "حاولنا قدر المستطاع ألا ينقصهم شيئًا".
سألتها ما هي خطة منظمة "النساء الآن" لاستيعاب السيدات المهجرات، التابعات لمركز الغوطة الشرقية؟ قالت: حاولنا تأمين سكن لهنّ في بيوت أقرباء ومعارف لنا، وسنعمل على توظيف بعضهن في أماكن العمل الشاغرة لدينا، وهناك سيدة بدأت العمل في المركز، ونحاول بالتدريج أن نبحث عن فرض عمل لتشغيل السيدات الأخريات.
*هل لدى المركز خطة لتأمين بقية السيدات المهجرات، لاسيما اللاتي لا يملكن شهادات جامعية، ولا يتقن مهنة محددة؟
**في مركزنا نعمل على التمكين الاقتصادي للمرأة، هذا البرنامج يستهدف النساء اللاتي لا يملكن شهادات جامعية ولا تحصيل علمي كاف. نقيم دورات لتعليمهنّ الحلاقة وحياكة الصوف وإعادة تدوير المواد وما شابه، وخلال الدورة نقدم لهنّ جميع المواد اللازمة، وفي نهاية الدورة نفتتح معرضَا لبيع نتاجهنّ، والربح يعود إليهنّ، ونحن الآن وبالشراكة مع مؤسسة "بسمة أمل" بصدد إقامة دورات ومشاريع صغيرة تخص النساء القادمات من الغوطة حصرًا، وسنحاول أن نؤمن منحة لكل سيدة تسجل في دوراتنا، حتى تستطيع أن تنطلق بمشروعها الخاص.
سألتُ مزنة عن ظروف افتتاح مركز "النساء الآن" في معرة النعمان، وعن عدد المستفيدات من خدماته حتى اليوم؟ قالت: عام 2011 قامت الثورة السورية، وفي تشرين الثاني من عام 2012 تحررت معرة النعمان، حينها أسستُ وأخي عمرو منظمة "بسمة أمل"، لكن القصف اليومي على المدينة جعل من العمل المدني أمرًا في غاية الصعوبة، كانت معسكرات الجيش السوري النظامي على مقربة منا، وكانوا يستهدفوننا بثلاثين غارة يوميًا، كانوا يقصفونا براجمات الصواريخ والهاون منذ آذان الفجر وحتى آذان المغرب، ما أحدث خرابًا كبيرًا في البنية التحتية، والدورة الاقتصادية، بحيث أضحت الحياة شبه ميتة، وكنا مضطرين للسفر إلى الأرياف المجاورة لشراء كيلو من الأرز أو البرغل. مع ربيع 2013 هدأت الأوضاع نسبيًا، وبدأت المشاريع التنموية تدخل إلى المنطقة، حينها افتتحنا مدرسة ضمن إطار منظمة "بسمة أمل" وكانت المدرسة الوحيدة في المعرة، ثم افتتحنا مؤسسة استهلاكية بالتعاون مع السيدة سمر يزبك، بعد ذلك التقيتها وفكرنا في افتتاح مركز "النساء الآن"، وخلال ما يقارب العام كنا نهيئ للافتتاح من حيث دراسة المشروع، والتخطيط له، ووضع الموازنة، وهي أمور أخذت الكثير من الوقت إلى أن انطلق المركز في آذار 2014،  وحتى اليوم بلغ عدد المستفيدات من خدماته حوالي 4500 سيدة.
*برنامج الدعم النفسي للنساء واحد من برامج المركز، فما هي أبرز الأزمات التي تم رصدها؟
**أعلى نسبة في تقارير الدعم النفسي التي أقرأها كل شهر، هي حالات التوتر والضغط والاكتئاب النفسي بسبب ظروف الحرب، وبسبب فقدان الكثير من السيدات لأحد من أفراد أسرهنّ أو أقاربهنّ. أيضا هناك الكثير من حالات العنف ضد المرأة، والذي زاد من حدة هذه الظاهرة، هو أيضا التوتر والضغط النفسي الذي يعاني منه الرجال أنفسهم بسبب الحرب (بصير الرجل يتفشش بمرتو إذا بدنا نحكي بالعامية).
*هل تشعر النساء بالتحسن بعد حضور جلسات الدعم النفسي؟
**الكثير منهنّ كن يقلنّ إنهن بمجرد أن سمعّن بوجود مركز مجاني للنساء، وخرجّن من منازلهن، وسجلّن في إحدى دوراتنا، كان هذا بحد ذاته شكل من أشكال الدعم النفسي لهنّ، فأن تتعلم السيدة وتمتلك مهنة تتقنها وتمارسها، هذا بحد ذاته يمنح المرأة ثقة كبيرة بالنفس، ونحن بمجرد أن تأتي إلينا امرأة تعاني من الاكتئاب، بغض النظر عن الشهادة التي تحملها، كنا ننصحها بالتسجيل في إحدى دوراتنا ومخالطة السيدات الأخريات وتكوين علاقات اجتماعية، وكان هذا بحد ذاته يحل أكثر من خمسين بالمئة من المشاكل النفسية التي تعاني منها.
*ماهي الصعوبات التي تواجهكِ في إدارة المركز، وهل تعرضتّن لضغوط المتشددين؟
**على مستوى المعرة لم تواجهني أية صعوبات باستثناء قصف الطيران، المجتمع هنا مفتح نوعًا ما، والكثير من النساء يزرّن المركز، ويرسلّن بناتهنّ وأطفالهنّ للتعلم والتدريب لأنهنّ يثقّن بنا. في المعرة لم يتغلغل تنظيم "داعش"، كان تنظيم "النصرة"، وحاول عناصره أن يتدخلوا قليلًا في لباس البنات، حينها تصديت لهم بنفسي، ولم أسمح لأحد منهم أن يدخل المركز، أو يتدخل بشؤوننا، وعمومًا كل اهالي معرة النعمان رفضتهم، ولم يستطيعوا البقاء أكثر من فترة وجيزة لشهر أو شهرين.

تهامة الجندي
شبكة جيرون الإعلامية 8 نيسان 2018 

*الحوار  تم عبر الانترنت في الثالث من نيسان 2018.
*النساء الآن من أجل التنمية" منظمة غير حكومية، تُعنى بتمكين المرأة السورية اقتصاديًا، ودعمها نفسيًا عبر مجموعة من برامج التعليم والتدريب. تأسست المنظمة في باريس عام 2012 بمبادرة من الكاتبة سمر يزبك، وتم افتتاح عدة مراكز وفروع لها في الغوطة الشرقية ومعرة النعمان وسراقب، وفي منطقة البقاع بلبنان.
*(3907 نازح) هو عدد المهجرين الذين استقبلتهم معرة النعمان بين 14-28 آذار 2018، وفقا لبيانات التقرير الصادر عن "وحدة تنسيق الدعم" بعنوان "الكارثة في سورية".

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

غرافيتي الثورة: "إذا الشعب جاع بياكل حكّامه"

علي الشهابي.. شريك الثورة والجراح