أوكرانيا وأدباء نوبل والحرب

بقلم: رزان نعيم المغربي

لم تمض على الحرب التي اندلعت في أوكرانيا ستة أيام، حتى سمعنا بخبر سقوط الكاتبة والمقاتلة على الجبهة الأوكرانية الكاتبة إيرينا تسفيلا وكانت برفقة زوجها، والأخبار تقول إنها حملت السلاح سابقاً وهي تدافع عن بلادها، ولم يتسن لهذه الكاتبة أن تعيش وتروي ما حدث من ويلات كما فعل أدباء آخرون.

من يهتم لحياة الأدباء والفنانين، يعلم أن الصورة العامة هي كراهيتهم للحرب والخوض فيها، يعايشونها من كثب أو بُعد، يكتبون عنها لأنها مرت من أمامهم، لكن هذا لا يعني الانخراط  في جبهات القتال وحمل السلاح لمواجهة عدو.

ولكل حالة استثناء بالطبع، إلا أن الملاحظ هو مشاركة عدد من أصحاب جائزة نوبل للآداب في المعارك والحروب، اما بصفتهم عملوا مراسلي حرب، أو لإيمانهم بالقضية التي مكنتهم من حمل السلاح، وأشهرهم على الإطلاق الروائي الأميركي أرنست همنغواي صاحب "وداعاً للسلاح" و"لمن تقرع الأجراس" وحياته المثيرة، اذ لم يكتف بعمله كمراسل حربي بل شارك في الحربَين العالميتين، وكان عمله على متن سفينة حربية تقوم بإغراق الغواصات الألمانية، وزخرت كتابته بتصوير مآسي الحروب وأثرها في البشرية.

ومن منا لا يتذكر صاحب "1984" و"مزرعة الحيوان"، الكاتب والأديب جورج أورويل، الذي وثق الحرب الأسبانية الأهلية في روايته "الحنين إلى كتالونيا"، وهذه الرواية لمن قرأها وعايش حروباً أهلية، يدرك دقة التفاصيل المتشابهة في معظم تلك الحروب. كان أورويل في  حينها يقف إلى جانب الثوار اليساريين في مواجهة الجنرال فرانكو، لكن المفارقة أن هناك كاتباً إسبانياً حصل على جائزة نوبل، كان يقف على الضفة الأخرى مقاتلاً مع فرانكو. أنه الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا، الذي حارب في الصفوف الأمامية في الحرب الأهلية، مؤمناً بالديكتاتور فرانكو، لكنه سرعان ما عاد منحازاً إلى صف الثوار وقاتل ضده مرة أخرى، وهو من بين كتّاب إسبان الذين كتبوا عن الحرب التي عاشوها بصفتهم جنودها، دوّن عنها وعمّا تخلفه من دمار في النفس الإنسانية وبالذات بعد انتقاده لفرانكو وتغير موقفه.

وبما أن حديث الساعة عن الحرب الروسية الأوكرانية، نتذكّر صاحب رواية "الدون الهادئ" للكاتب الروسي شولوخوف، الذي نال جائزة نوبل في العام 1965، وكان شارك في الحرب العالمية الثانية بصفته مراسلاً حربياً وانخرط في القتال، وكتب كثيراً عما عاشته بلاده أيام القيصرية الروسية.

الحرب التي تختبر ضمير الإنسانية، تدفع بعض الأدباء والفنانين إلى اختبارها والدخول إلى أتون المعارك والوقوف على الجبهات دفاعاً عن قضية يؤمنون بها، وتأتي الكتابة في ما بعد نتيجة تجربة قاسية من موقع المقاتل، وليس المشاهد من كثب.

أدب الحرب ثري بالأعمال التي تركت أثراً في القارئ، وغالباً ما يدين المبدع الحروب ولا يتورط  فيها، وربما كان البعض يُساق إليها، إما بحسّ الصحافي المغامر، أو لأن الإيمان بقضية تسيطر على نزعة اختبار كل ما يكتب عنه، حتى لو أدّت إلى هلاكه، مثل الحرب، وتبقى من أقسى التجارب التي يمكن لإنسان أن يخوضها ويشارك  فيها ويخرج منها سالماً ليوثق لنا ما يمكن أن يجعلنا ندينها ولا نعلي من قيمتها، بل ننحاز بشكل طبيعي للسلام ونبذ العنف والحروب.


 كاتبة من ليبيا

المصدر: "رزان نعيم المغربي... أوكرانيا وأدباء نوبل والحرب"، المدن 04/03/2022

تعليقات

الأكثر قراءة

لولو

حسين العودات.. رحلة القلق والأمل

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق