هل تنهي احتجاجات السويداء حقبة الأسد؟


 بتاريخ 17 آب 2023 انطلقت الاحتجاجات في مدينة السويداء السورية من أجل التغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة، وبعد ثلاثة أيام أُعلن الإضراب العام والعصيان المدني، وللأسبوع الرابع على التوالي يتوافد المتظاهرون بالمئات يوميًا إلى ساحة المدينة الرئيسية السير أو ما بات يُعرف بـ "ساحة الكرامة"، منادين بالحرية لكل السوريين، رافعين لافتات تعبر عن مطالبهم، أبرزها تنحي بشار الأسد عن السلطة، وتطبيق القرار الدولي 2254، والإفراج عن المعتقلين في السجون السورية.

"بشار ولاك مابدنا ياك"، "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد" يهتف المتظاهرون الذين أغلقوا مقر حزب "البعث" الحاكم في السويداء، وأزالوا صور بشار الأسد من الأماكن العامة والدوائر الحكومية، وحطموا تمثال أبيه حافظ الأسد. كما وجه بعضهم رسالة باللغتين العربية والإنكليزية إلى هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تطالب بإحالة القرار الدولي 2254 إلى البند السابع في حال أقدمتْ روسيا والصين على عرقلة تطبيق بنوده.

السويداء هي المدينة المركزية في محافظة تحمل نفس الاسم، ومحافظة السويداء واحدة من المحافظات السورية البالغ عددها 14 محافظة، تقع في الجنوب السوري، وتنقسم إلى ثلاث مناطق رئيسية: السويداء، صلخد وشهبا، ويشكل الدروز 90% من سكانها، والدروز أقلية دينية تشكل قرابة 3 إلى 4 بالمئة من مجموع سكان سوريا.  

التظاهرات الحالية ليست حدثًا طارئًا على السويداء فقد شهدت المحافظة موجات عدة من الاحتجاج خلال اثني عشر عامًا من بداية الحراك السلمي ضد نظام الأسد في سوريا. عام 2011 انضم الكثير من سكان المحافظة إلى الثورة السورية، والتحق البعض بـ "الجيش الحر"، لكن الغالبية فضلت مبدأ الحياد إزاء أطراف الصراع، وامتنع الشباب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية في جيش النظام السوري، وتشكلت بعض الجماعات المحلية المسلحة لحماية الأهالي، أشهرها حركة "رجال الكرامة" بقيادة الشيخ وحيد البلعوس الذي اغتيل عام 2015. ومنذ ذلك العام شهدت السويداء عدة موجات احتجاجية، اقتصرت على المطالب الاقتصادية لتحسين الظروف المعيشية والخدمات العامة.

الجديد في حراك اليوم، هو الإجماع على مطلب التغيير السياسي نحو دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون. الحضور اللافت والفاعل للنساء من كافة الأعمار. امتداد الاحتجاجات إلى باقي المدن والبلدات في محافظة السويداء، وانخراط فئات جديدة ومتنوعة من الأهالي، بينهم أبرز شيوخ العقل لدى الدروز، حكمت الهجري وحمود الحناوي.

حظيت احتجاجات السويداء بتضامن شعبي واسع، في مناطق نظام الأسد، والمناطق الخارجة عن سيطرته، وفي دول الشتات السوري. من قبل هيئات الثورة والمعارضة، ومن قبل شرائح اجتماعية كانت مستقلة أو موالية للنظام. وخرج السوريون للتظاهر دعمًا للحراك وللمطالبة بإسقاط نظام الأسد، في درعا وجرمانا وإدلب وشمال حلب ودير الزور، وفي بعض المدن الأوروبية. فيما شهد الساحل السوري قصاصات ورقية ولافتات وكتابات على الجدران مناهضة للنظام السوري.

على المستوى الدولي نُشرت العديد من التغطيات الصحفية لاحتجاجات السويداء في أهم وسائل الإعلام الغربية مثل: CNN, DW, Financial Times. وصدرت تصريحات مؤيدة لمطالب الحراك عن بعض المسؤولين الأمريكيين، كما أعلن 21 نائبًا في البرلمان الأوروبي تضامنهم مع الاحتجاجات في بيان ورد فيه: "نحن نسمعكم ونقف معكم، الحل السياسي ممكن وقد حان الوقت لتنفيذ القرار 2254"، "على بشار أن يدرك أن استخدام العنف لا يمكن أن يكون حلًا لقمع رغبة الناس في الحرية، فالشعوب تصمد والأنظمة تتغير". بحسب ما نُشر على موقعSyria Tv  المعارض، بتاريخ 3 سبتمبر 2023.

في السياق تجدر الإشارة إلى أن انهيار الاقتصاد السوري، وتطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد، أسفر عن قيام العديد من التشكيلات المعارضة في الآونة الأخيرة، مثل: "المجلس العسكري السوري"، و"حركة التحرر الوطني" في الشتات السوري. "حركة الضباط العلويين الأحرار" و"حركة 10 آب" في الساحل السوري، كما بث بعض أبناء الطائفة العلوية تسجيلات مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تدين الأسد وتطالبه بالتنحي، غير أن انتفاضة السويداء لا تزال الأكبر حجمًا، والأكثر أثرًا وفاعلية قياسًا بغيرها من التحركات.

لم يرسل نظام الأسد قواته لقمع انتفاضة السويداء حتى اليوم، واقتصرت ردود فعله على مراقبة التطورات، إيفاد مبعوثين للتفاوض مع قادة الحراك، سحب بعض عناصره من الحواجز المحيطة بالسويداء، وتخويف الأهالي بتسلل "داعش" إلى مناطقهم، شن الحملات الإعلامية لتشويه المتظاهرين، وتهديد بعض الناشطين. فيما يشدد النظام قبضته الأمنية على المعارضين في باقي المناطق لاسيما الساحل، ويواصل غاراته الجوية على إدلب بمساندة حليفته روسيا.

هل يتبع نظام الأسد تكتيكًا جديدًا لاحتواء الاحتجاجات حفاظًا على علاقاته بالدول العربية، وتمهيدًا لعودته إلى المجتمع الدولي، أم أنه سيقمع السويداء بعد حنق المعارضة في الساحل ودرعا وباقي المناطق؟ هل ستصمد انتفاضة السويداء، وتتمدد إلى كافة المناطق السورية وتنهي حقبة الأسد الدموية؟

مهما تكن الاحتمالات والمآلات فإن عودة الحراك السلمي إلى سوريا، جدد الأمل بالخلاص من نظام ديكتاتوري فاسد، قتل واعتقل وشرد ملايين السوريين من أجل بقائه في السلطة وضمان مصالحه. نظام فقد كل مسوغات الشرعية، وكان ينبغي أن يسقط مذ أقدم على ارتكاب مجزرة حماه أوائل ثمانينات القرن العشرين.

 

تهامة الجندي

وايتهاوس إن أرابيك 13 سبتمبر 2023 

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

علي الشهابي.. شريك الثورة والجراح

صحيفة "الأخبار" تمثّل بجثث السوريين