صديقي الأوكراني العزيز: رسالة عن عبودية الروس وخراب روسيا القادم

 


صحيفة العربي القديم - ترجمة: د. علي حافظ

ميخائيل شيشكين كاتب روسي، حائز على العديد من الجوائز الأدبية، مثل: “البوكر الروسية” و”الكتاب الكبير”… مؤلف رواية “جدائل فينوس” وأعمال أخرى… يعيش في سويسرا منذ عام 1995.

رفض تمثيل روسيا عام 2013، أي حتى قبل سلخ شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، في “معرض الكتاب الدولي الأمريكي” احتجاجاً على روسيا بوتين، والذي أطلق عليه لقب “الخائن الوطني”.

كتب ميخائيل رسالة إلى صديقه الأوكراني عشية ذكرى الحرب. والتي نشرت في موقع Rus.Postimees بتاريخ 15 فبراير 2023. ونظراً لأهميتها وتضمينها الكثير من الأفكار والإيحاءات والإسقاطات المهمة والقريبة جداً بروحها من الفضاء السوري، قمت بترجمتها لصالح “صحيفة العربي القديم”…

عزيزي:

لقد سرقوا لغتنا.. تحدثت وتبادلت الرسائل معك بلغة الأدب الروسي العظيم. أما الآن، فهي بالنسبة للجميع، لغة أولئك الذين يقصفون المدن الأوكرانية ويقتلون الأطفال، لغة مجرمي الحرب والقتلة الذين سيحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. أريد حقاً تصديق أن كل من أعد هذه الحرب وشارك فيها، ودعمها بطريقة أو بأخرى، سيجلس في قفص الاتهام. ولكن كيف نحكم على ارتكاب جريمة ضد اللغة؟

ذهب والدي إلى الجبهة وهو في السابعة عشرة من عمره لينتقم لشقيقه الذي قتله الألمان. وهكذا، بقي يكره الألمان وكل شيء ألماني طوال حياته بعد الحرب. حاولت أن أشرح له: “يا أبي، ولكن هناك أدب ألماني عظيم؛ والألمانية لغة جميلة”. ومع ذلك، لم يكن لهذه الكلمات أي تأثير عليه!

ماذا يمكن أن نقول بعد الحرب للأوكرانيين الذين قصف الروس منازلهم ونهبوها وقتلوا عائلاتهم: إن الأدب الروسي العظيم جميل؟ وإن اللغة الروسية رائعة للغاية؟

هل ينجب الدكتاتوريون والدكتاتورية سكاناً عبيداً، أم أن السكان العبيد ينجبون ديكتاتوريين؟

لقد تمكنت أوكرانيا من الخروج من هذه الدائرة الجهنمية، ومن ماضينا الدموي الوحشي المشترك؛ ولهذا يكرهها الدجال الروسي!

في نهاية المطاف، يمكن لأوكرانيا الديمقراطية الحرة أن تكون بمثابة مثال للشعب الروسي مكمّم الأفواه؛ ولهذا السبب من المهم جداً بالنسبة له أن تدمر.

لم نشهد، نحن في روسيا، اجتثاث الستالينية ولا محاكمات لـ “الحزب الشيوعي السوفييتي” مثل التي جرت في نورمبرغ.. النتيجة واضحة للعيان: دكتاتورية جديدة؛ وباعتبار أن الدكتاتورية ذات طبيعة لا توجد بدون أعداء، فمن الضروري إعلان الحرب!

تضمنت خطط “هيئة الأركان العامة” رفض “حلف الناتو” حمايتكم بقواته المسلحة؛ وهذا الأخير حقق خطة بوتين تلك في الأيام الأولى من الحرب.

أنتم الأوكرانيون لم توافقوا على خطط بوتين.. أنتم لم تستسلموا، ولم تستقبلوا دباباته بالورد.. أنتم لا تدافعون عن حريتكم وكرامتكم الإنسانية فحسب، بل تدافعون الآن عن الحرية والكرامة الإنسانية للبشرية جمعاء.. أنتم لا يمكن هزيمتكم، لأن الحرب لا تُحسم بعدد الدبابات والصواريخ، بل بقوة حب الحرية.. أنتم أناس أحرار؛ وأولئك الذين ينفذون الأوامر الإجرامية للجنرالات الروس هم عبيد!

الصمت كإستراتيجية للبقاء

عندما كانت الدبابات الروسية تتجه بالفعل نحو كييف قبل عام، تساءل العالم كله عن سبب عدم وجود احتجاجات جماهيرية مناهضة للحرب في روسيا؟ ولماذا يخرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج بشكل فردي فقط؟

لقد أرجعتُ ذلك إلى الخوف.. الصمت هو استراتيجية البقاء الروسية؛ وأولئك الذين احتجوا آنذاك هم الآن في السجن.. هكذا نجا الروس لأجيال من خلال الصمت!

لقد عبر بوشكين عن أسلوب الحياة الروسي هذا في السطر الأخير من مسرحيته التاريخية “بوريس غودونوف”: “الشعب صامت”. ومع بداية العدوان على أوكرانيا، كان الناس “صامتين”؛ لكن في الخريف، بدأت التعبئة العامة ولم يعد ممكناً تفسير حقيقة أن مئات الآلاف من الروس ذهبوا عن طيب خاطر لقتل الأوكرانيين ويكونوا مقتولين أيضاً، بسبب الخوف.. هذا شيء آخر، شيء أعمق وأكثر رعباً…

لا أرى سوى تفسير واحد: لقد سقطت بلادي خارج الزمن.. في القرن الحادي والعشرين، أصبح الإنسان المعاصر نفسه مسؤولاً عن تحديد ما هو الخير وما هو الشر. وإذا رأى أن بلاده وشعبه يخوضون حرباً خسيسة مخزية، فعليه أن يكون ضد وطنه وضد شعبه. لكن غالبية الروس يعيشون عقلياً في الماضي، حيث ربط الناس أنفسهم بقبيلتهم.. قبيلتنا دائماً على حق، والقبائل الأخرى هي عدوة لنا وتريد تدميرنا. نحن لا نتحمل أي مسؤولية، ولا نقرر أي شيء، كل شيء يقرره لنا القائد/ الخان/ القيصر…

إذا هاجم الأعداء – الفاشيون من أوكرانيا و”حلف الناتو” – وطننا؛ فإننا نذهب للدفاع عنه، كما دافع عنه أجدادنا من الفاشيين الألمان.

استخدم جميع الديكتاتوريين الشعور بحب الوطن، والشعور الرائع بالوطنية، لأغراضهم الخاصة. لقد اعتقد والدي أنه دافع عن وطنه من نظام هتلر، لكنه في الحقيقة دافع عن نفس نظام ستالين الفاشي.

الهزيمة الكاملة فقط

يخوض الروس الآن الحرب دفاعاً عن وطنهم من “النازية الأوروبية والأميركية” – كما أوضحت لهم دعاية بوتين -؛ وهم لا يفهمون أنهم يدافعون عن سلطة عصابة إجرامية في الكرملين، والتي أخذت البلاد بأكملها كرهينة!

لا يوجد سوى مخرج واحد: إلحاق الهزيمة العسكرية بنظام بوتين؛ لذلك، يجب على الدول الديمقراطية مساعدة الأوكرانيين بكل الطرق الممكنة، وقبل كل شيء بالأسلحة. بعد الحرب، سيأتي العالم كله لمساعدتكم من أجل استعادة ما تم تدميره، حيث يمكن للبلاد أن تولد من جديد؛ بينما ستقبع روسيا في خرائب الاقتصاد وفي أنقاض الوعي!!

إن الولادة الجديدة لبلادي لن تكون ممكنة إلا من خلال التدمير الكامل لنظام بوتين.. يجب استئصال الإمبراطورية من دواخل الإنسان الروسي، كي يتم استئصال الورم السرطاني الخبيث. إن “ساعة الصفر” هذه تشكل أهمية حيوية بالنسبة لروسيا. لن يكون هناك مستقبل لبلادي، إلا إذا تعرضت لهزيمة كاملة، كما حدث مع ألمانيا…

المجد لأوكرانيا!

 

المصدر: العربي القديم 10 سبتمبر 2023

تعليقات

الأكثر قراءة

رواية التّماسيح لـ يوسف رخَا.. رؤية المستقبل بالنظر إلى تجارب الماضي

الحرية للشاعر المعتقل ناصر بندق

غرافيتي الثورة: "إذا الشعب جاع بياكل حكّامه"